image

في هذه المناسبات المباركة التي تنبع من ارتباطنا باهل البيت عليهم السلام وحرصنا على أن نتخذهم قدوة في حياتنا وانموذجا نحتذي حذوهم، حيث نلاحظ الملايين من الناس تهفو للنيل من افاضات وبركات اهل البيت (عليهم السلام) ..نعم انه بيت علي وفاطمة الذي يحقق معنى الاسرة النواة الحقيقية التي تظهر فيها العلاقات الحميمية الحقيقية الزوجية والابوة والأمومة والبنوة والاخوة،تظهر باجلى صورها وازكى معانيها فيها حيث تظهر حقيقة التعاطف والتراحم والمحبة والتعاون، لأنها تكون مبنية على رابطة جعلها الله سبحانه وتعالى بين الزوج والزوجة "..و َجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21]

   حيث تنشأ النواة لتلك العلاقات الحميمية في السراء والضراء وتحمل مشاكل الحياة ومصاعبها برحابة صدر فإن بيت علي وفاطمة جسد الاسرة في علاقاتهم وتعاملهم وتوزيع المهام حتى بات اساسا ومنطلقا للامة على مر الزمان والمكان فإن المنطلق يتمثل في تلك الاسرة ، من هذه الاسرة تنطلق هذه المعاني لتجد لها تطبيقات أخرى في المجتمع أينما تكون معانيها من العطف والحنان والرعاية ، فنجد الابوة والأمومة تتمثل في المعلم والمعلمة والمربي حينما تكون تلك الشفقة والخوف على مستقبل الاخر والعمل على تنشئته تنشأة صالحة فيعطيه من نفسه وروحه وعلمه فيكون كالأب الذي يعمل على تربية ابنه وكالأم التي ترعى أولادها وتخاف وتحرص عليهم، وهكذا الأخوة والتي تحمل معاني العون و النصيحة والدعم واتحاد المصير تبرز الأخوة فتتجاوز الاسرة الى الاخوة عندما يكون الانتماء واحدا في النسب كالقبيلة والعشيرة او في المكان كالمدينة والوطن ، وفي العقيدة كالإيمان، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعاني وركز على الاخوة الايمانية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) واحد اثار هذه الأخوة ان لا ينبغي ان يثار الخلاف والنزاع، فإذا ما حدث ـ لا سمح الله تعالى ـ ( فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات:10] وهذا يعني ان رابطة الايمان تقوى وتؤدي الى هذه الواجبات والمسئوليات ..

   ان المفاهيم الاسرية قاعدة اجتماعية ثقافية فكرية ومن اجل نشر هذه الثقافة والاعتناء بهذا المجتمع والقيام بهِ لابد من مراعاة القيم الإسلامية وعي قيم انسانية نبيلة ،وقد تكون هذه المهمة هيَ مهمة الدولة حيث تسن القوانين التي ترعى ذلك ، لكن الاحساس الذي تستشعره العتبات اليوم وما نشهده في هذه النشاطات المختلفة من مختلف العتبات ينطلق من الاحساس بالمسؤولية والاخوة لأنها تعبر عن مسؤولية يتحملها الانسان اتجاه الاخر وهي مسؤولية الجميع تنطلق من هذه المشتركات بين الجميع والشعور بالواجب الملقى على عاتق الفرد وهذه العلاقة الواقعية الحميمية عندما تنتقل الى الاخر ليكون لها نفس هذا الاثر والمنطلق والاهتمام.

قال حفص بن البحتري: كنت عند ابي عبد الله الصادق (ع) فدخل عليه رجل فقال لي: تحبه؟

فقلت نعم.

قال لي: ولم لا تحبه وهو أخوك وشريكك في دينك وعونك على عدوك ورزقه على غيرك. (الكافي 2: 166) فالنسب وإن لم يجمعكم لكن الارتباط الديني يجعل بينكم من الوشائج والعلاقات ما يوازي الاخوة النسبية فيتولد ذلك الحرص وتلك المحبة والشراكة والاعانة على تخطي صعاب الحياة..

   ان خير مثال على ذلك اخوة الامام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) الذي نعيش ذكرى هذه الولادات الطاهرة فمنهما ننتقل الى حياتنا ما الذي نحتاجه في علاقاتنا هل نستشعر هذه الاخوة الايمانية ونقدم لها ما تستحقه واقعا؟ 

    ان هذا التأكيد في القرآن الكريم وكذلك في الروايات والتي تعبر انما هو اخوك والذي يحتاج منا الى تحسس لهذه المصطلحات وهذه العلاقات وبلورتها بشكل اكبر واكثر تطبيقا في حياتنا حتى نكون مجتمعا موحدا وقويا ولأننا نشهد تحديا في هذا المجتمع الذي ينحو الى بعض المخاطر وما لاحظناه في جزء من الثقافة المعاصرة التي تهدف الى تفكيك هذه العلاقات فبدل ان تعم العلاقات المترابطة يتجه نحو الانفراد والوحدوية وهذا يؤثر في الاعلام والثقافة المتداولة ومناهج التعليم ولذلك يحتاج الى توجيه وتنبيه وطرح الحلول والامور المقابلة فان هذه الموجات لابد ان تواجه بالمقابل الصحيح ومعالجتها وتفنيد نظرياتها واقوالها نظريا وعمليا والا سوف نخسر المجتمع ونصبح كالمجتمعات المفككة التي تشتت وتفتت. مجتمعنا ما زال متمحورا وملتفا نحو اهل البيت (عليهم السلام) فإنهم يدعون الى هذه النواة الواحدة فان الانسان مهما ابتعد يعود الى هذا المحور فانهم (عليهم السلام) يجذبوننا اليهم بحبنا لهم وحبهم لنا ان هذه الجاذبية التي مهما ابتعد المؤمن المحب تظهر في مفاصل حياته فينجذب اليهم ويعود اليهم في مناسباته وخصوصياته يعود الى اسمائهم فيشعر بالارتياح والطمأنينة فكانت هذه المقامات والمناسبات هي المنطلق لمخاطبة مجتمعنا واستيعابه وعلاجه فأننا نتكامل بأهل البيت (ع) ونتمم من خلالهم ما نقص منا وما ينقص منا من تهذيب انفسنا وارواحنا فهم (ع) المنار والانتماء الذي يحدد لنا هويتنا ويحدد لنا شعارنا وغايتنا التي نحملها ليبقى الارتباط بهم اساسيا في حياتنا ويجب ان نقويه دوما ونحفظه والدفاع عنه.

    ان مسؤوليتنا اليوم هي بالانتباه الى مجتمعنا ومشاكله واحتواء ابنائنا فان المحب لأهل البيت (ع) يجب ان يفهم ان هذا الحب هو مشروع للإصلاح والصلاح والبناء فانهم (ع) بنوا في الانسان روح العمل والمثابرة ولذلك نجد اصحابهم رضي الله عنهم كانوا مثالا للعمل والانتاج كتطوير ملحوظ في عالم المعرفة على مر التاريخ لأنهم نهلوا من هذا المنبع الصافي ولذلك نستلهم الدروس من الحسين والعباس وزين العابدين (عليهم السلام) الوفاء والمحبة.

قال الامام زين العابدين (عليه السلام): 

(رحم الله العباس ابن علي فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه) 

وقال الامام الصادق (عليه السلام): 

(كَانَ عَمُّنا العبَّاس بن عليٍّ نافذ البصيرة، صَلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيدا


: الدكتور محمد علي بحر العلوم