
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ
لو نقرأ القرآن لعلنا نجد أهم المقامات، مقام إبراهيم الخليل، ونجد أن عشرات الآيات في مدح إبراهيم عليه السلام، وقد ذُكرت في القرآن الكريم صفات إبراهيم، فإن الله تعالى قد أثنى عليه ثناءً عظيمًا، وذكر له من الصفات والأفعال ما استحق بها أن يكون خليلاً لربه تعالى. وأعظم تلك الصفات والأفعال: تحقيقه للتوحيد، وبراءته من الشرك والمشركين، حتى نسب الدين والملة إليه عليه السلام.
وعندما نحلل سلوكيات إبراهيم عليه السلام، نجد من عظيم صفاته وأفعاله أنه استعد لقتل ابنه، فما بالك بالإمام الحسين عليه السلام فقد قتل أولاده جميعًا أمامه. ومن هنا يلاحظ المتتبع لسيرة الإمام الحسين عليه السلام من حيث التسليم والانقياد لله في حياته وصولًا إلى كربلاء، فقد أسلم الحسين عليه السلام وجهه وقلبه وروحه لله سبحانه وهو يُؤثر أهل بيته وأولاده في سبيل الإسلام. وعندما قال في ليلة العاشر من محرم: (إني لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خير من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي فجزاهم الله خيرًا)، وبما أن الإمام الحسين عليه السلام معصوم، إذن فحين قال "إني لا أعلم" يعني بذلك أنه لم يكن على الأرض في ذلك الوقت وجود أمثالهم.
وقد وعده الله من عباده المؤمنين ومن المحسنين، وسلم عليه: (الصافات: 83-111)، وهو من الذين وصفهم بأنهم أولوا الأيدي والأبصار وأنه أخلصهم بخالصة ذكرى الدار (ص: 45-46). وآتاه الله العلم والحكمة والكتاب والملك والهداية، وجعلها كلمة باقية في عقبه (النساء: 54، الأنعام).
ومن صفات النبي إبراهيم عليه السلام:
1- إبراهيم يعادل أمة، قانتًا، حنيفًا، شاكرًا
منزلة إبراهيم عند الله سبحانه وموقفه العبودي: أثنى الله تعالى على إبراهيم عليه السلام بأجمل ثناء وحمد، محنته في جنبه أبلغ الحمد، وكرر ذكره باسمه في نيف وستين موضعًا من القرآن الكريم.
أتاه الله رشده من قبل (الأنبياء: 51)، واصطفاه في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه: "أسلم"، قال: (أسلمت لرب العالمين) (البقرة: 130-131). وهو الذي وجه وجهه إلى ربه حنيفا وما كان من المشركين (الأنعام: 79). ومدحه الله تعالى أنه كان أمة، قال:
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (النحل: 120-122).
ولعل شخصية إبراهيم عليه السلام تتمثل بالشخصية المتكاملة التي قد تختصر الأمة في ذاته، بالمعنى الذي يمثل قوّتها وعنفوانها وتوجهها، وهذا ما يجعل شخصيته تعادل شخصية أمة. ومعنى الأمة: هو الإمام الذي يُقتدى به؛ قال عبد الله بن مسعود: الأمة معلم الخير، وتمتد شخصيته في أسلوب رسالته، وتلتقي مع الجماعة في صورة الفرد.
ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم، لوجدنا أن هناك صفاتٍ اتصف بها إبراهيم الخليل عليه السلام في نفسه، وصفات اتصف بها مع أهل بيته، وصفات اتصف بها في مجتمعه؛ كل هذه الصفات أهّلته لهذا الوصف الجامع من رب العالمين، ليكون أمة في شخصيته.
أما القانت فهو: الخاشع المطيع لله سبحانه، والحنيف هو: المنحرف قصدًا من الشرك إلى التوحيد. فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن (اجتباه) ربه، واختصه بخلته، وجعله من صفوة خلقه وخيار عباده المقربين، في موقع القدوة الحسنة، والمعلم الكبير للإنسانية.
والحسين عليه السلام ورث مقام الإمامة الإلهية الذي جعله الله تعالى لنبيه إبراهيم، وهذه الوارثة كانت بواسطة جده النبي صلى الله عليه وآله، فقد أورثه الله تعالى دين وإمامة إبراهيم. وشهادة له بالإمامة التي هي عهد الله الذي لا يناله الظالمون، كما قال:
(وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124). فهي الرياسة العامة من الله على عباده، والخلافة والنيابة من النبي على أمته.
وكذلك أورد الإمام أبو طالب في شرح "البالغ المدرك" 150، فقال: وروى: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا".
2- الحليم الأوّاه المنيب
مدحه الله بأنه حليم أواه منيب، قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (هود: 75). والحليم: الذي يحتمل أسباب الغضب فيصبر ويتأنى ولا يثور، و(حليم) أي ذو رحمة وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات، لا يستفزه جهل الجاهلية، ولا يقابل الجاني عليه بجرمه.
قال ابن مسعود: الأوَّاه هو الدعاء وكثير الاستغفار. وقال ابن جرير: قال رجل: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: "المتضرع"، والأوَّاه: الذي يتضرع في الدعاء. وكان إبراهيم عليه السلام كثير الدعاء لله بأن يهديه، وأن يرزقه العلم النافع والعمل الصالح، مثل قوله تعالى:
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيم) (الشعراء: 84-85).
وقال إبراهيم عليه السلام: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88).
والمنيب: الذي يعود سريعًا إلى ربه بمعرفته ومحبته والإقبال عليه والإعراض عما سواه. وكان لديه يقين وتوكل على الله سبحانه، والرضا بقضائه، والإمام الحسين ورث هذه الصفات عندما قال: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).
3- الصادق
كان صديقًا، وجعل له لسان صدق في الآخرين، فقال تعالى: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقًا نبيًا) (مريم: 41). وفسرها ابن كثير، وقال صاحب الظلال: لفظة "صديق" تحتمل أنه كثير الصدق، وكثير التصديق.
ومن أخلاق الإمام الحسين عليه السلام أنه كان صديقًا، وفي المعاني الأخلاقية أيضًا: "الصدق عز، والكذب عجز، والسر أمانة، والجوار قرابة، والمعونة صداقة، والعمل تجربة، والخلق الحسن عبادة، والصمت زين، والشح فقر، والسخاء غنى، والرفق لب".
4- الوفاء لله سبحانه
وصفه ربه بأفضل الأوصاف، اتخذه الله خليلاً (النساء: 125)، وجعل رحمته وبركاته عليه وعلى أهل بيته، ووصفه بالتوفية؛ فقال تعالى: (وإبراهيم الذي وفى) (النجم: 37)، أي: بلغ جميع ما أُمر به الله تعالى.
وكذلك الحسين بن علي ورث الوفاء لله سبحانه، امتحنه الله بأن أمره بالتضحية بنفسه وأفلاذ كبده وأهل بيته، فقدمهم للموت، ووهب كل ما عنده في سبيل الله صابرًا محتسبًا.
5- الكرم
هي صفة من صفات إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال عز وجل: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلامًا قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) (هود: 69)، وفي آية أخرى: (فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) (الذاريات: 26)؛ أي إنه قدّم لهم عجلاً سمينًا مشويًا.
وكذلك الإمام الحسين عليه السلام اتسم بصفة التواضع للفقراء والمحتاجين، من خلال مشاركته لهموم الناس وآلامهم، ويروى أنه اجتاز على مساكين يأكلون في (الصفة)، فدعوه إلى الغداء، فنزل عن راحلته وتغدّى معهم، ثم قال لهم: «قد أجبتكم فأجيبوني». فلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله، فقال عليه السلام لزوجته الرباب: «أخرجي ما كنت تدّخرين». فأخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم.
6- البراءة من الشرك والمشركين
وإعلانه ذلك، قال الله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا براءٌ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده) (الممتحنة: 4).
معنى توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به: الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه هو الذي يستحق وحده أن يُفرَد بالعبادة؛ وهذا التوحيد اتصف به نبي الله إبراهيم عليه السلام وذكره الله عنه في أكثر من آية.
وكذلك الإمام الحسين عليه السلام كان طويل السجدة، عابدًا لله سبحانه بكل جوارحه.
7- قيامه بجميع ما أمره الله به على أتم وجه
قال الله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريّتي قال لا ينال عهدِي الظالمين) (البقرة: 124).
وكذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا".
هاجر إبراهيم ومعه زوجته ولوط إلى الأرض المقدسة ليدعو الله سبحانه من غير معارض يعارضه من قومه الجفاة الظالمين، وكذلك هاجر الحسين عليه السلام من المدينة إلى أرض الله.
8- الموقن بالله سبحانه
قال الله عز وجل: (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ليكون من الموقنين) (الأنعام: 75).
ولأنه كثير اليقين بالله سبحانه، فقد دعا إلى عبادة الله بأسلوب التوحيد، والدعوة إلى الله من ملامح شخصية إبراهيم عليه السلام، حتى أن هذه الصفة هي الغالبة عليه؛ إذ كان إبراهيم يستخدم أنجح الأساليب في عرض الإسلام، فقد ناقش قومه بالمنطق الحواري البرهاني، واستطاع الوصول إلى ما يريد من إقامة الحجة بأسئلة علمية منطقية لا تحتمل إلا جوابًا واحدًا، يعد من البديهيات اليقينيات التي لا يختلف فيها اثنان.
وهو الذي اطمأن قلبه بالله وأيقن بما أراه الله من ملكوت السماوات والأرض (البقرة: 260، الأنعام: 75).
وكذلك الإمام الحسين استعمل الأمر بالمعروف بالكلام والخطبة حتى الشهادة.