image

بسم الله الرحمن الرحيم

[وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ].[4]

مباحث الآية الكريمة

المبحث الأول: كيف نحَصْل على السعادة؟

    لا يوجدُ إنسانٌ في هذا الكون لا يريدُ أن يكون سعيدًا، الجميع يبحث عن السعادةِ، ولكن أغلبهم لم يجدوا السعادة؛ لاعتقادهم أن الأصل في السعادة الإنسانية هو اللذة. وعليه فالسعادة عبارة عن تحقيق اللذائذ المادية، المتمثل بالحصول على المال، أو الجاه والشهرة، أو الجمال، أو الزوج والأولاد، أو القوة والعافية.

ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح، والواقع قد أثبته، فلطالما رأينا أغنياء غير سعداء، ومشهورون وأشخاص لديهم جاه وجمال ويتمتعون بصحة جيدة إلا أن اغلبهم لا يشعر بالسعادة وبعضهم لديهم اضطرابات نفسية التي انتهت بهم إلى الانتحار.

نعم الإنسان الذي يحصل على شيء جديد يحبه قد يشعر بسعادة مؤقتة، ولكن سرعان ما يفقد هذا الشعور، ولذا يحاول أن يجرّب لذائذ أخرى ويعتقد أنه بمجرد الحصول عليها سيستقر لديه الشعور بالسعادة، ولكن سرعان ما يشعر بخيبة أمل وهكذا.

الناس تسعى لتحقيق السعادة بحواسها، ولكن مهما نظرت، وسمعت، وتذوقت، وشممت، ولمست أجمل ما تحب، فسعادتها الحقيقية مرهونة بسعادة القلب، فإذا عرض على الإنسان الحزن والغم والكآبة فلن يشعر بأيةِ سعادة، بينما لو استقر القلب واطمأن، وشعر بالسكينة، فسيشعر بالسعادة.

السؤال المطروح: كيف نحقق السكينة النفسية والاطمئنان القلبي؟

لا نريد أن نطيل عليكم بذكر الآراء البشرية ولكن سأطرح عليكم كلامًا معصومًا لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[5]، وهو كلام الله تعالى(حيث طرح علينا نوعين من السلوك، الذي يتناغم مع المعرفة، ويتفاعل مع الذكر، فيولّد السكينة، ومن ثمَّ السعادة، وهما كالآتي:

الأول: السلوك الفردي في علاقة الإنسان بربّه، ألا وهو الصلاة بين يدي الله عزّ وجل. قال تعالى: [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي].[6]

الثاني: السلوك الاجتماعي الذي يتجلّى في الزواج، فالزواج في منطق القرآن الكريم يُنتج السكينة النفسيّة، والاطمئنان القلبي، فالله تعالى يقول: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا][7].[8]

فإن من أهداف الزواج هو الحصول على السكنى، والاستقرار النفسي، فالمرأة الصالحة التي تتزوج من رجل صالح تغمرهما الفرحة والسعادة؛ لأن السكنى قد تحققت، بينما غير المتزوجة لا تشعر بهذه السعادة؛ لفقدان السكينة النفسية، روي عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: « مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ ، رَجُلٌ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا مِنَ الْمَالِ؟ قَالَ : «وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا مِنَ الْمَالِ»، وَقَالَ : « مِسْكِينَةٌ مِسْكِينَةٌ مِسْكِينَةٌ، امْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً مِنَ الْمَالِ؟ قَالَ : « وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً مِنَ الْمَال ».[9]

قد يعترض بعضكم قائلاً: لكننا عندما نأتي للواقع نجد أن بعض المتزوجين غير سعداء، نعم في بداية الزواج تغمرهم السعادة، ولكن بالتدريج يقل مستوى السعادة إلى أن تتحول الحياة إلى تعاسة وشقاء، إذًا أين السكينة التي يفترض أن ننالها من الزواج والتي ذكرها الله تعالى بقوله: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا]. [10]

الجواب: لأننا لم نحقق شروط السكينة الزوجية، وهما المودة والرحمة التي أعقب الله تعالى ذكرها بعد ذكر السكينة قائلاً: [.. لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون].[11]

بعبارة أخرى أن السكينة النفسية، والاطمئنان القلبي الذي عبّرنا عنه بالسعادة، قائمة على أمرين مهمين وهما المودّة والرحمة، فكما أن الإنسان حياته مرهونة بتوفير الماء والطعام، فالسكينة والاطمئنان القلبي مرهون بالرحمة التي هي بمنزلة الماء، وبالمودّة التي هي بمنزلة الطعام.

المبحث الثاني: الجَعْلُ التكويني والتشريعي

   قد يقول أحدكم: ولكن الله يصرّح بأنه جعل بين المتزوجين مودةً ورحمةً، لقوله تعالى: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]، ومن ثمَّ يفترض أن يشعر المتزوجان باستمرار السكينة والسعادة الزوجية، وهذا الأمر غير متحقق في بعض الأحيان!!

إن سبب طرح هذا التساؤل؛ لأن بعضهم لم يحدد نوع الجَعْل المذكور في قوله تعالى: [وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]، فالجعل على نوعين جَعْلٌ تكويني وجَعْلٌ تشريعي، فأيهما هو المقصود في هذه الآية الكريمة؟

لكي نجيب على هذا السؤال لا بد من تعريف لكلا الجَعْلين، حتى يتبين لكم المطلب.

الجَعْل التكويني: هو ما لا تتدخل فيه إرادة الإنسان أبدًا، بل يكون حتمي التحقق والوقوع، وإليكم النماذج الآتية:

1. قال تعالى: [ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ].[12]

2. قال تعالى: [ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ].[13]

3. قال تعالى: [ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ].[14]

فكل الأشياء المذكورة في الآيات جعل الله تعالى فيها خصائص ومزايا حتمية، خارجة عن إرادة الإنسان، فالإنسان عندما كان طفلاً صغيراً، ثم كبر فصار قوياً فهذا التغيير لم يتحقق لكون الإنسان أعطى أوامر للخلايا، والأعضاء بأن تكبر وتزداد قوة…. ولما كَبُر وأخذ يشعر بالضعف فهو لم يعطِ أوامر لجسده بذلك، أي أن التغيير-بجعل الجسد قوياً أو ضعيفاً-لم يحصل بإرادة الإنسان واختياره، بل بإرادة الله واختياره، وهذا يسمى بالجعل التكويني، وهكذا الحال عندما جعل الله الشمس ضياءً والقمر نوراً، ومدّ الأرض وجعل فيها الرواسي والأنهار، فهذه عندما خُلِقت لم تتدخل فيها إرادة الإنسان، واختياره، بل حصلت تكوينًا.

وأما الجعل التشريعي: فهو ما تتدخل إرادة الإنسان، واختياره في تحققه على أرض الواقع، وإليكم النماذج الآتية:

1. قال تعالى: [وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ] [15]، حيث أمر الله تشريعاً المسلمين عندما يؤدوا مناسك الحج أن يُقدّموا الأضاحي، ومنها الْبُدْنَ وهي الناقة و البقرة، بمعنى أن الله لم يجعل الْبُدْنَ تكويناً مذبوحة، أو منحورة بدون تدخل إرادة الإنسان، بل أمر الإنسان أن يقوم بإرادته واختياره بتنفيذ ما أراد أن يجعله الله لنا.

2. قال تعالى: [ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا ][16]، أي أن الباري -عز وجل- شرّع على المسلمين أن يعودوا إلى البيت الحرام في صلاتهم بوصفه قبلة، وفي حجهم شرّع عليهم أن يجعلوا هذا المكان آمنًا، ولو كان الجعل تكوينياً لما استبيح في وقائع معينة.

3. قال تعالى: [إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ][17]، فالجعل في هذه الآية هو الجعل التشريعي الاختياري، لا التكويني القهري؛ لأن الله شرّع على اليهود أن يتفرغوا للعبادة ويتركوا الصيد في يوم السبت باختيارهم لا أن يجبرهم الله على الترك؛ لأن الجبر والقهر يتعارض مع التكليف الذي يستلزم الحرية والاختيار، ولو كان كذلك لما تمكّن اليهود من الاصطياد، ومعصية الله في يوم السبت.

نعود للآية الكريمة: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]، ونسأل:

 هل أن جَعْل المودة والرحمة في قوله تعالى: [لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]، تكويني أم تشريعي؟

يقول الشيخ أكرم بركات: (إن كان الجعل جعلًا تكوينياً قهرياً من الله بحيث لا يمكن أن يتخلّف عن إرادته تعالى، فهذا الأمر يتنافى مع الواقع؛ لأنّ معناه أنّ كل زوجين بينهما مودة فعلاً بالقهر والتكوين والجبر، مع أن حال العديد من الأزواج ليس كذلك، إذ في بعض الحالات الزوجية لا نلحظ ذلك الحب فضلاً عن المودة، سواء أكان الحب مفقوداً في بداية الزواج كمن تجبرها الظروف للتزوج من رجل لا تحبه، أو صار مفقوداً بعد الزواج بمدّة.

وإن كان الجعل تشريعيًا، كجعل الصلاة والجهاد، بحيث يكون اختياريًا للإنسان يمكن له فعله، ويمكن عصيانه، فكيف يتلاءم هذا المعنى مع كون الحب غير اختياري؟

والجواب أنه يمكن أن يكون الجعل في الآية جعلًا اختيارياً، بأن يكون المراد بأن الله تعالى يريد من الزوجين تشريعاً أن يحققا المودّة بينهما، وهذا لا يتنافى مع كون الحبّ غير اختياري؛ لأن الحب كما ذكرنا سابقاً هو ميل القلب إلى أمر يرى الإنسان فيه نوعًا من الكمال، وعليه فيمكن في كلٍ من الزوجين حينما يظهر منه ما يراه الآخر كمالًا، أن ينجذب إليه فيحبّه، ومن ثمَّ يمكن أن يودّه.

وبعبارة أخرى يمكن للإنسان أن يحقق ما يصنع الحب والمودة ليجذب الآخر إليه).[18]

بعبارة أخرى أنّ الله تعالى أراد من الزوجين أن يحقّقا المودّة والرحمة ليحصلا على السكينة والطمأنينة، كما أن الهاتف النقّال لا بد من شحنه لنحصل على المهام المطلوبة منه، من التواصل مع الآخرين واستخدام تطبيقاته، ولكن عندما نستمر في استخدام الهاتف بدون شحن، فسينخفض معدل الشحن بالتدريج إلى أن يصل لمرحلة لا يتمكن الشخص من فتح بعض التطبيقات إلى أن ينطفأ الجهاز، وهكذا الحال مع الحياة الزوجية التي تكون بدايتها -في الأعم الأغلب- مشحونة بالمودة والرحمة بمعدل خمسة من خمسة -على فرض أن الشحن الكامل عبارة عن خمسة مستويات- لذا يشعرون بالسعادة والسكينة النفسية، ولكن بعد مرور الزمن إذا لم يتم شحنها مرة أخرى بالمودة والرحمة، فسيقل معدل الشحن لأربعة من خمسة ومن ثمَّ سيؤثر سلباً على نتائج السكينة، كأن يسود الصمت في الحياة الزوجية، وبعد مُدّة سيقل الشحن أكثر ليصل إلى ثلاثة من أربعة نقاط، فيظهر على صورة ملل، وبُعد ما بين الزوجين، ومن ثم إلى هجر وتعدي، إلى أن ينتهي الشحن لانعدام المودة والرحمة فينتهي الزواج بالطلاق العاطفي أو الواقعي.

رُبّ تساؤل يرد: كيف يشحن الزوجان أنفسهما بالمودة والرحمة؟

الجواب: أن الله أبى أن يُجري الأمور إلا بأسبابها، قال تعالى: [وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا *فَأَتْبَعَ سَبَبًا][19]، فكما أن شرب الماء جعله الله سببًا لرفع العطش، وتناول الطعام جعله الله سببًا لرفع الجوع، كذلك جعل الله أسبابًا عديدة للحصول على المودة والرحمة، وسنطرحهما في المبحثين الآتيين:

المبحث الثالث: المودة في الحياة الزوجية

المودّة هي الحبّ، لكن ليس أي حبّ، بل الحبّ الذي يتجلّى من خلال السلوك، وبتعبير العلاّمة الطباطبائي: «الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل».[20]

فالزوج عندما يتحمل نفقة زوجته، وعندما يصلها ولا يهجرها في الفراش، وعندما يعاشرها بالمعروف، ويتعامل معها بالحسنى، فهذه علامة على مودته، والزوجة التي تعرض نفسها على زوجها في الفراش، وتخدم زوجها وتحترمه فهذه علامة على مودتها لزوجها، وإلا فإن من تدّعي المحبة ولكن سلوكها لا يدل على ذلك فهي إما محبة كاذبة، أو ناقصة، والنتيجة أن المحبة التي لا يوجد سلوك يدّل عليها لن تحقق المودة.

رُبّ تساؤل آخر يرد: كيف يمكن للزوجين من زرع المودة فيما بينهما؟

والجواب: أننا قلنا أن المودّة هي الحبّ الذي يتجلّى من خلال السلوك، ومعلوم أن الحُبّ ليس اختياريّاً يفعله الإنسان حينما يشاء، بل هو قهريّ يأتي لقلب الإنسان دون اختيار، وسببه هو كمال يراه المحبّ فينجذب به إلى المحبوب.

وسرُّ ذلك الانجذاب هو ما فطر الله عليه الإنسان من حبّ الكمال والانجذاب إليه، فالإنسان مفطور على حبّ الجمال، فينجذب إلى الجميل، لأنّ الجمال كمال، ومفطور على حبّ العلم، لأنّه كمال، فينجذب إلى العالم، ومفطور على حبّ الصدق، لأنّه كمال، فينجذب إلى الصادق، ومفطور على حبّ الشجاعة، لأنّها كمال، فينجذب إلى الشجاع، وهكذا.

لذا نلاحظ أنّ الشاعر المسيحي بولس سلامة حينما أراد أن يعبّر عن حبّه لأمير المؤمنين عليه السلام، فإنّه تحدّث عن كمالات الإمام علي عليه السلام فقال:

أنا من يعشق البطولة والإلهام والعدل والخلق الرضيّافإن لم يكـن علـي نبيّا فلقد كان خلقه نبويـّا[21]

لذا إذا أردنا أن نزرع المحبة في قلوبنا تجاه شخص ما فعلينا أن نركز على الكمالات الموجودة فيه، ولذا من طرائق تربية الأولاد الإيمانية على حب الله تعالى هو الاطلاع على صفات الله تعالى وهي كلها صفات كمالية، والاطلاع على نِعَم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، وأن يتدبر في خلق الله البديع ونظامه المتقن وكيف أنه أحسن خلقها، حتى يقرّ معترفا قائلًا [ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ] فهذه الكمالات لو عرفها الإنسان سينجذب قلبه إليها، وسيبدأ بمحبة الله تعالى، وهكذا الحال فيما لو أردنا أن نزرع في قلوب أولادنا محبة محمد وآله عليهم السلام فوجب أن نذكر معالي أخلاقهم وصفاتهم ومقاماتهم السامية، فهي كلها كمالات لأنهم معصومون، ومن ثمَّ هذه الكمالات ستنجذب إليها قلوب المطّلعين عليها وسيحبونهم عليهم السلام، وإذا تحققت المحبة الصادقة سينتج عنها الاتباع والوفاق لأن المحب لمن أحب مطيع.

وهذا الأمر ينطبق مع البشر، ومع الزوجين، فلو أرادا أن يزرعا المحبة فيما بينهما وجب على كل منهما أن يظهر كمالاته للآخر، فإظهار الكمال هو إظهار لما يُسبِّب الحبّ ويصنعه، وهذا يتحقق باستخدام مفاتيح لها الدور في نشر بذور المحبة والمودة، نذكر منها ما يلي:

1-مفتاح البشاشة: فعن الإمام الصادق عليه السلام: «البشاشة فخّ المودّة».[22]

وعنه عليه السلام: «البشاشة حبالة المودّة ».[23]

فابتسامة الزوج لزوجته، وابتسامتها له، هما مفتاح المودّة، ومن ثمَّ السعادة.

2-مفتاح حسن الخلق: روي عن الإمام علي عليه السلام: «حسن الخلق يورث المحبّة، ويؤكّد المودّة ».[24]

عنه عليه السلام: «حُسنُ الصُّحبَةِ يَزيدُ في مَحَبَّةِ القُلوب ».[25]

3-مفتاح الكرم والسخاء: روي عن الإمام علي عليه السلام: «السخاء يكسب المحبّة ».[26]

4-مفتاح الهديّة: روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: « تهادوا تحابّوا »[27] فالهديّة نوع من التعبير عن الاهتمام بالآخر، والاهتمام هو من أهمّ ما تطلبه الزوجة من زوجها.

5-مفتاح التعبير العاطفي: روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: « قول الرجل للمرأة: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبدًا »[28][29]

6-مفتاح حُسنُ الظَّنِّ: روي عن الإمام عليّ عليه السلام:”مَن حَسُنَ ظَنُّهُ بِالنّاسِ حازَ مِنهُمُ المَحَبَّةَ”.[30]

7-مفتاح الصدق: روي عن الإمام عليّ عليه السلام: «يَكتَسِبُ الصّادِقُ بِصِدقِهِ ثَلاثاً: حُسنَ الثِّقَةِ بِهِ، وَالمَحَبَّةَ لَهُ، وَالمَهابَةَ عَنهُ ».[31]

8-مفتاح تناسِي المَساوِئِ: روي عن الإمام عليّ عليه السلام: « تَناسَ مَساوِئَ الإِخوانِ تَستَدِم وُدَّهُم ».[32]

9-مفتاح لينُ الكَلامِ: روي عن الإمام عليّ عليه السلام: «مَن لانَت كَلِمَتُهُ وَجَبَت مَحَبَّتُهُ ».[33]

عنه عليه السلام: «عَوِّد لِسانَكَ لينَ الكَلامِ، وبَذلَ السَّلامِ يَكثُر مُحِبّوكَ، ويَقِلُّ مُبغِضوكَ ».[34]

10-مفتاح النَّصيحَة: روي عن الإمام عليّ عليه السلام: «النَّصيحَةُ تُثمِرُ الوُدَّ ».[35]

وعنه عليه السلام: «النُّصحُ يُثمِرُ المَحَبَّةَ ».[36]

المبحث الرابع: الرحمة في الحياة الزوجية

  ذكرنا أن على الزوجين أن يظهر كل منهما كمالاته للآخر؛ لكي تنغرس بذور المحبة في قلبيهما، ولكن لكل منّا نقص -عدا المعصومين عليهم السلام -وهذا النقص عندما يُنظر إليه وبالأخص عندما يتم التركيز عليه فسوف ينفر الطرف الآخر منه ولا يودّه، ولذا الحل أن لا نقابل النقص بالرجوع خطوة إلى الوراء، بل أن نقابله بالرحمة كالتغافل، وبنفس الوقت نركّز على الكمالات لا على النقص.

أتذكر إحدى الحالات التي وردتني كمستشارة، أن إحدى المتزوجات قبل زواجها كانت تحب ابن عمها ولكنها تزوجت من رجل آخر بدون رغبتها، وأنجبت منه الأولاد وكان رجلًا صالحاً، ولكنها ما زالت تفكر بابن عمها لأنها تحبه، بينما لا تحب زوجها وأخذت تتنفر منه، وطلبت مني النصيحة، فأرشدتها لجملة أمور منها: صحيح أن الحبُّ ليس اختياريًّا، بل قهريّا يأتي لقلب الإنسان دون اختيار، ولكن هذا الحب لم يتحقق من العدم بل من أسباب، منها لأنها رأت في ابن عمها كمالًا ما، -والإنسان مفطور على حب الكمال- كأن رأت ذلك الكمال في شكله أو بأحد صفاته كاتصافه بالتفوق الدراسي، أو حب التعاون والكرم ، أو اعتقدت بأنه يحبها وغيرها من الأمور التي تعدها كمالية -من وجهة نظرها- ولذا أحبته.

فالحل يكون بالتوقف عن حب ابن عمها، وتبدأ بحب زوجها، فأما التوقف عن حب ابن عمها فيتم بقطع التواصل معه نهائيا وبالتركيز على نواقصه دون كمالاته، كأن تقول: (لو كان يحبني حباً حقيقياً لما تأخر عن الزواج مني قبل أن أتزوج)، أو (أعتقد أنه غير مناسب؛ لأنه فاشل في دراسته وعمله)، (لو كان متقياً لما تجرأ على إظهار حبه لي)،..إلخ.

فهذا النقد المستمر سيقلل من محبته إلى أن يزول من قلبها، وبالعكس لو ركّزت على كمالات وإيجابيات زوجها دون نواقصه وسلبياته، فسوف تشعر بأن قلبها بدأ يميل وينجذب إليه بالتدريج كأن تقول لنفسها: (أنه رجل حقيقي؛ لأنه طرق بابي وتزوجني بدون تأخير، وتحمل مسؤوليتي ومسؤولية أولادي، ولم يهجرني، وعاشرني بالمعروف، وهذه صفات صارت نادرة بهذا الزمن…إلخ)

حادثة طريفة: تخاصم زوجان لدى أحد المستشارين التربويين، ووصل أمرهما إلى طلب الطلاق، فطلب من كلٍّ منهما أن يرسم جدولين يذكر في أحدهما إيجابيات وكمالات الآخر، وفي الثاني سلبياته ونواقصه، وأعطاهما فرصة، جاءا إليه بعد ذلك، وقد حضّرا نفسيهما جيّدًا، فالجداول كانت حاضرة مطبوعة.

جلسا، وبدأ الزوج بتلاوة ما كتب من كمالات زوجته: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، حينما كان يذكر كمالاتها كانت البشاشة تظهر من وجهها.

أمّا النواقص فذكر منها اثنين، وتوقّف لعدم إيجاد غيرهما.

بعده ذكرت الزوجة كمالات زوجها، وعدّدتها، فإذا بها كثيرة أيضًا، أمام قلة من السلبيات والنواقص، وكذلك ظهرت البشاشة على وجه الزوج عند سماعه للإيجابيّات التي ذكرتها.

إنّ تركيز كلٍّ منهما على إيجابيات الآخر كان له دور كبير في حلّ تلك المشكلة.

باختصار: أن (الكمال يقابل بالمودّة، أمّا النقص فأراد الله تعالى أن لا نقابله بالرجوع خطوة إلى الوراء، بل أن نقابله بالرحمة.

والرحمة هي من أفعال القلب أيضًا، فهي عبارة عن رقّة القلب، بسبب نقص يراه الراحم في المرحوم، فأنا حينما أرى طفلًا تنقصه القوّة، فإنّي أرحمه، وحينما أرى مريضًا تنقصه الصحّة، فإني أرحمه، وحينما أرى أعمى ينقصه البصر، فإنّي أرحمه.

وهكذا أراد الله تعالى لنا أن نتعامل مع نقص الزوج أو الزوجة برحمة).[37]

السؤال المطروح: كيف نفعّل الرحمة في الحياة الزوجية كي نحقق بها وبالمودة السعادة الزوجية؟

الجواب لما نستنطق القرآن الكريم نجده يقول: [قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي].[38]

يعقّب السيد الطباطبائي رده على هذه الآية الكريمة: بأن فيها إشارة إلى أن الرحمة التي يؤتاها الناس مخزونة في خزائن محيطة بالناس، لا يتوقف نيلهم منها إلا إلى فتحها من غير مؤنة زائدة.[39]

ومن المعلوم أن الخزائن تحتاج لفتحها إلى مفاتيح، قال تعالى: [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ][40]، فيا ترى ما هي مفاتيح خزائن الرحمة؟

الجواب: المفاتيح عديدة، أخترنا لكم أهم خمسة مفاتيح وهي كالآتي:

المفتاح الأول: مفتاح الطاعة

لقد جعل الله تعالى (الطاعة) أحد أسباب استنزال الرحمة، قال تعالى: [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ][41]، بمعنى أن الرحمة ننالها بطاعتنا لله تعالى ورسوله ، وبالأخص ما يتعلق بالحقوق الزوجية، قال تعالى: [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ][42]، أي مثلما وجب على الزوجة أداء حقوق زوجها من (التمكين، وأن لا تخرج إلا بإذنه، وأن تحفظه في ماله، وعرضه)، وجب على الزوج أيضًا أداء حقوق زوجته من(النفقة عليها، ووصالها، وعدم إهانتها، وعدم الإضرار بها)

فمراعاة الحقوق الزوجية هي أساس الحياة الزوجية، التي بمراعاتها يتحقق العدل الإلهي وينتفي الظلم عن كلا الزوجين، وهذا يعدَّ المصدر الأكبر للرحمة.

فإذا ملك كل زوج مفتاح الطاعة فهو كمن شحن السعادة الزوجية نقطة من مجموع خمسة نقاط.

المفتاح الثاني: مفتاح التقوى

التقوى هي الملكة المانعة من ارتكاب المعاصي، وقد جعل الله تعالى (التقوى) أحد أسباب استنزال الرحمة، قال تعالى: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ].[43]

وعندما نستقرئ النصوص الروائية لأهل البيت عليهم السلام نجدها تؤكد على حسن اختيار الزوج المتقي، علمًا أن كلمة(زوج) بغير تاء التأنيث تطلق على الذكر والأنثى.

وسبب اختيار المتقي؛ لأن من صفاته أنه رحيم مع زوجته فلا يظلمها، جاء في الحديث «أن رجلًا جاء إلى الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته فقال عليه السلام: “زوّجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها “. [44]

 فالزوج المتقي هو الذي لا يتعدى على الحقوق الزوجية، ولا يؤذي زوجه، ولا يهينه، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: « من كان له زوجة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر، وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إن كان لها مؤذياً ظالماً ».[45]

وهو الذي لا يخون زوجه، ولا يظلمه، ولا يضره، حتى وإن قررا الانفصال، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: « ألا وإن الله عز وجل ورسوله بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه ».[46]

فإذا ملك كل زوج مفتاح التقوى بالإضافة إلى الطاعة فهو كمن شحن السعادة الزوجية بنقطتين من مجموع خمسة نقاط.

المفتاح الثالث: مفتاح الإحسان

لقد جعل الله تعالى (الإحسان) أحد أسباب استنزال الرحمة، قال تعالى: [ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ].[47]

ونقصد بالإحسان في الحياة الزوجية هو مراعاة آداب الحياة الزوجية، وهي أمور غير إلزامية ولكنها ضرورية لتحصيل السعادة الزوجية، حيث ينبغي على الزوجة مراعاة الآداب الزوجية مع زوجها، وهي باختصار كالآتي:

أولاً: خدمة زوجها.

ثانياً: إظهار المودة له في أقوالها، وأفعالها.

ثالثاً: معاونته في الدين، والعبادة.

رابعاً: التجمّل له.

وأما الآداب التي ينبغي على الزوج مراعاتها مع زوجته فهي باختصار كالتالي:

أولاً: الجلوس معها.

ثانياً: خدمة البيت معها.

ثالثاً: أن يوسع عليها في النفقة.

رابعاً: استمالة قلبها.

فإذا ملك كل زوج مفتاح الإحسان بالإضافة إلى مفتاحي الطاعة والتقوى فهو كمن شحن السعادة الزوجية بثلاث نقاط من مجموع خمسة فيرتفع معدل السعادة أكثر من السابق.

المفتاح الرابع: مفتاح العفو

لقد جعل الله تعالى (العفو) أحد أسباب استنزال الرحمة، قال تعالى: [وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم][48]، وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: (العفو تاج المكارم).[49]

 ولهذا فقد روي أنّ امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله فسألته عن حقّ الزوجة على الزوج، فقال: «… وإذا أذنبت غفر لها «.[50]

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «كانت امرأة عند أبي  تؤذيه فيغفر لها».[51]

فإذا ملك كل زوج مفتاح العفو بالإضافة إلى مفاتيح الطاعة والتقوى والإحسان، فهو كمن شحن السعادة الزوجية بأربعة نقاط من مجموع خمسة، فينعم بسعادة أكبر.

المفتاح الخامس: مفتاح الصبر

لقد جعل الله تعالى (الصبر) أحد أسباب استنزال الرحمة، قال تعالى: [وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ].[52]

 (فإن الحياة الزوجية لا تنسجم مع الدلال أبدًا، إنها تتطلب إنسانًا صبورًا، لكي يمكنه خوض التجربة بنجاح، أمام أولئك الذين يفتقدون الصبر، فإنهم لابد وأن يخفقوا في ذلك لدى أول مشكلة تواجههم، ينبغي عليهم أن يدعو الدلال جانبًا، لكي يمكنهم مواجهة المتاعب.

إن الذين أخفقوا في حياتهم الزوجية، والذين غرقوا في خضم النزاعات والخلافات مع أزواجهم كان ينقصهم شيئًا واحدًا وهو الصبر والتحمل.

وفي أدبياتنا -كمسلمين-نجد اهتمامًا كبيراً بالصبر، فالقرآن الكريم يحث على الصبر في نواحي الحياة، ونبينا العظيم يأمرنا بالصبر، وكذلك نجد هذه المسألة تأخذ جانباً واسعاً في أحاديث الإمام علي وخطبه).[53]

روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: « مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ واحتَسَبَهُ، أعطاهُ اللّه‏ تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه‏ السلام) عَلى بَلائهِ، وكانَ علَيها مِنَ الوِزْرِ في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ؛ مِثلُ رَمْلٍ عالِجٍ ».[54]

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: « مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها، أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ ».[55]

فإذا ملك كل زوج مفتاح الصبر بالإضافة إلى مفاتيح الطاعة، والتقوى، والإحسان، والعفو، فهو كمن شحن السعادة الزوجية بخمس نقاط من مجموع خمس. وبهذا يكون قد اكتمل الشحن وحصلنا على السكينة والطمأنينة أي على السعادة الزوجية.

بعبارة أخرى إذا أردنا أن نحصل على السكينة النفسية والاطمئنان القلبي، وعلى حياة زوجية سعيدة لزم علينا أن نملك كل مفاتيح المودة والرحمة التي ذكرناها سابقًا.

ولنا في أهل بيت النبوة أسوة حسنة، وعلى رأسهم نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله، قال تعالى: [لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ][56]، حيث نجد أن لديه أكثر من زوجة، ولكن سعادته الزوجية لم تكتمل إلا عند السيدة خديجة عليها السلام لأنهما ملكا كل مفاتيح المودة من تعبير عاطفي، وبشاشة، وحسن خلق، وكرم وتهادي.. إلخ.

وملكا مفاتيح خزائن رحمة الله لأنهما بلغا أعلى مراتب الطاعة، والتقوى، والإحسان، والعفو والصبر، ولقد صرّح بحبها النبي صلى الله عليه وآله قائلاً: « رُزقتُ حبَّها ».[57]

ولقد ذكرنا أن (الحبُّ هو انجذاب قلب الحبيب؛ بسبب كمالات في المحبوب، وهو انجذاب ينطلق من الفطرة التي أودعها الله في الإنسان تشدُّه نحو الكمال، لذا عبّر رسول الله صلى الله عليه وآله عن حبّه للسيدة خديجة عليه السلام بقوله «رُزقت حبَّها» فما هي تلك الكمالات التي جذبت رسول الله  إلى السيدة خديجة الكبرى؟

من تلك الكمالات هو عظم إيمانها وتقواها، وبصيرتها في اكتشافها المبكر لكمالات رسول الله صلى الله عليه وآله، واهتمامها بما يهتمّ به رسول الله صلى الله عليه وآله، و تصديقها المبكر لرسول الله صلى الله عليه وآله، وبذل مالها في خدمة الرسالة، و حملها لمشكاة الأئمة عليهم السلام حتى أنه قال صلى الله عليه وآله: «صدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمال إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها ».[58]

وكان النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله يتحدث عن السيدة خديجة عليها السلام بافتخار أمام المسلمين، فقد ورد أنّه قال في المسجد: «يا معشر الناس، ألا أدلّكم على خير الناس جدًّا وجدّة؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: «الحسن والحسين عليهما السلام، فإنّ جدّهما محمد، وجدتهما خديجةُ بنت خويلد ».[59]

وكان صلى الله عليه وآله يهتم بمن كان له علاقة بالسيدة خديجة عليها السلام فقد ورد أنَّ عجوزًا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله: فألطفها، فلما خرجت سألته عائشة من هذه؟

فأجاب صلى الله عليه وآله: «إنها كانت تأتينا زمن خديجة عليها السلام، وإنّ حسن العهد من الإيمان ».[60]

ومن شدّة حبّ رسول الله صلى الله عليه وآله للسيدة خديجة عليها السلام سمّى العام الذي توفيت فيه، وتوفي فيه أيضاً عمُّه أبو طالب بعام الحزن.[61]

أذن إذا أردنا أن تكون حياتنا الزوجية سعيدة فوجب الاقتداء بمحمد وآله وان نُحسن اختيار الزوج الصالح كما اختارت السيدة خديجة عليها السلام خير خلق الله واختار الرسول صلى الله عليه وآله خيرة النساء في زمانه وتزوجا في اليوم العاشر من شهر ربيع الأول.

حيث تذكر كتب السيرة والتاريخ أن السيدة خديجة كانت من خيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهن مالاً، وأحسنهن جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية بـ(الطاهرة)، ويقال لها (سيدة قريش)، وكل قومها كان حريصا على الاقتران بها لو يقدر عليه.

وقد خطبها عظماء قريش، وبذلوا لها الأموال. وممن خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وأبو جهل، وأبو سفيان فرفضتهم جميعا، واختارت النبي صلى الله عليه وآله، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة العالية. ونكاد نقطع -بسبب تضافر النصوص -بأنها هي التي قد أبدت أولا رغبتها في الاقتران به صلى الله عليه وآله .[62]

وتشرح السيدة خديجة عليها السلام سبب هذا الاختيار بالقول: (يا بن عم إني رغبت فيك لقرابتك منّي وشرفك من قومك وأمانتك عندهم وصدق حديثك وحسن خلقك)، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وآله وأبدت رغبتها بالارتباط به.

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله قال: خطب أبو طالب عليه السلام لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله خديجة بنت خويلد عليها السلام بعد أن خطبها إلى أبيها، ومن الناس من يقول: من عمها؟ فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهده من قريش حضور، فقال: ” الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، يجبى إليه ثمرات كل شئ وجعلنا الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح، ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه، وإن كان في المال قل فإن المال رزق حائل، وظل زائل، وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان شافع جسيم)، فزوّجه ودخل بها من الغد.

وقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم:

هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت لك الطير فيما كان منـك بأسعدتزوجته خير البرية كلها ومن ذا الذي في الناس مثل محمدوبشر به البر ان عيسى بن مريم وموسى بن عمران فيا قرب موعدأقرت به الكتاب قدما بأنه رسول من البطحاء هاد ومهتد[63]

وفي اليوم العاشر من ربيع الأول تزوج النبي صلى الله عليه وآله بخديجة أم المؤمنين لخمس وعشرين سنة مولده، فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد صلى الله عليه وآله[64].

[1] بحار الأنوار-المجلسي-ج ج ١٦ -ص ٧٤.

[2] الكلح: العبوس والقبح.

[3] أم المؤمنين خديجة الطاهرة (ع) -الحاج حسين الشاكري -ص 28-31نقلاً عن بحار الأنوار-ج ١٦ -ص ٧٥.

[4] الروم/20.

[5] فصلت/42.

[6] طه/14.

[7] الروم/20.

[8] آية الوصايا العشر-الشيخ أكرم بركات-ص121-122.

[9] سنن سعيد بن منصور -رقم الحديث: 475.

[10] الروم/20.

[11] الروم/20.

[12] يونس/5.

[13] الرعد/3.

[14] الروم/54.

[15] الحج/36.

[16] البقرة/125.

[17] النحل/124.

[18] سعادة الزوجين في ثلاث كلمات-الشيخ أكرم بركات-ص49-50-بتصرّف.

[19] الكهف/84-85.

[20] تفسير الميزان-السيد الطباطبائي-ج16-ص166.

[21] آية الوصايا العشر-الشيخ أكرم بركات-ص122-123، بتصرف.

[22] بحار الأنوار-المجلسي-ج75-ص39.

[23] بحار الأنوار-المجلسي-ج71-167.

[24] غرر الحكم: ٤٨٦٤.

[25] غرر الحكم/4812.

[26] ميزان الحكمة-ريشهري- ج2- ص1277.

[27] الكافي-الكليني-ج5-ص144.

[28] الكافي-الكليني-ج5-ص569.

[29] آية الوصايا العشر، الشيخ أكرم بركات-ص124-126-بتصرف.

[30] غرر الحكم: 9094.

[31] غرر الحكم: 11038.

[32] غرر الحكم: 4584.

[33] تحف العقول-ابن شعبة الحراني-ص 91.

[34] غرر الحكم: 6231.

[35] غرر الحكم: 844.

[36] غرر الحكم:614.

[37] آية الوصايا العشر-الشيخ أكرم بركات-ص128-129.

[38] الإسراء/100.

[39] تفسير الميزان -السيد الطباطبائي -ج ١٧-ص ١٥.

[40] الانعام/59.

[41] آل عمران/132.

[42] البقرة/228.

[43] الأعراف/156.

[44] ميزان الحكمة-الريشهري-ج‏2-ص‏1184.

[45] جامع أحاديث الشيعة-البروجردي-ج20-ص245.

[46] بحار الأنوار -العلامة المجلسي -ج ١٠١-ص ١٦٤.

[47] الأعراف/56.

[48] التغابن/14.

[49] ميزان الحكمة-الريشهري-ج-ص805.

[50] الكافي -الشيخ الكليني – ج ٥ – ص ٥١١.

[51] من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق -ج ٣ -ص ٤٤١.

[52] البقرة/155.

[53] الأسرة وقضايا الزواج -الدكتور علي القائمي-ص ١١٣-114، بتصرف.

[54] وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي – ج ٢٠ – ص ١٦٤.

[55] ميزان الحكمة-ريشهري-ج‏2-ص‏1187.

[56] الأحزاب/21.

[57] شرح أصول الكافي-المازندراني-ج7-ص144.

[58] شجرة طوبى -محمد مهدي الحائري-ج2-233.

[59][59] الآمالي-الصدوق-ص522.

[60] روضة الواعظين-النيسابوري -ص269.

[61] شهر الله-سماحة الشيخ أكرم بركات-ص138.

[62] الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) -السيد جعفر مرتضى – ج ٢ – الصفحة ١٠٧-108.

[63] الكافي -الشيخ الكليني – ج ٥ – الصفحة 374-375.

[64] من لا يحضره الفقيه-الشيخ الصدوق-ج3-ص251.

: مياسة شبع