
(زواج النورين زواج السماء)
[الوصف التاريخي والبعد التربوي]
-عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم، وأزوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء).
نزل الأمين جبرائيل (عليه السلام) مبلغاً عن الله سبحانه للرسول أن يزوج النور من النور، أي أمر من الباري جل وعلا لهذا التزويج
أولا: المقصود بالنورين الزهراء وعلي "عليهما السلام" تلك الحوراء الأنسية التي عقدت نطفتها من ثمر الجنة، وعلي عليه السلام وليد الكعبة المشرفة التي يتشرف مخلوق غير الإمام علي بهذه الخصوصية المباركة حيث حضر في ولادته الملائكة ولف بخرق الجنة كما ورد بالروايات الموثقة فكيف لا يكونان أو يوصفان بالنورين
كان هبوط جبرائيل بهذا الامر قبل قدوم الإمام علي "ع" خاطباً الزهراء "ع"
فعند القدوم للطلب، مع الحياء والخجل من ضيق ذات اليد… بشرة الرسول (ص) بأن الله سبحانه أمر بتزويج علي من الزهراء (عليهم السلام) فتهلل وجه علي واطمأنت نفسه الزكية بهذه البشارة فلا كفأ للزهراء غير علي ولا كفأ لعلي غير الزهراء عليهم السلام…
فكان اليوم الأول من شهر ذي الحجة المبارك يوم خلد في السماء قبل الأرض ووثق بعناية ربانية وشهادة ملائكية، والأطراف نبي مرسل ووصي منصب وريحانة حوراء آنسية لها مكانة علية نطفتها ملكوتيه أعدت لأمر عظيم ألا وهو استمرار نسل الرسول الكريم بأنجاب الأئمة الميامين اللذين جعلهم الله حُججاً على البرايا، بهم بدأ وبهم يختتم وهم حبله المدود بين السماء والأرض وبابه الذي منه يؤتى…
لذا تزينت السماء قبل الأرض احتفاء بالعروسين فحلت بركات السماء على الأرض وكانت البشرى العظيمة لرسول الله(ص) ولوصيه أمير المؤمنين عليه السلام
فلنسلط الضوء على هذا الحديث المبارك ونحلل أبعاده التربوية المباركة..
أولاً: هل نتعامل مع المناسبة المباركة تعامل فرح مجرد للموالين وللشيعة وتوزيع الحلوى وأقامة المجالس المزينة والتغني بالأهازيج والاشعار والمديح؟ أم نتدبر هذا الحدث ونستقرأ هذه المناسبة السماوية وتحاول تطبيق تفاصيل هذا الاقتران المبارك وعلى واقعنا المعاصر والمعاشي…
كون المعصوم حجه على البشر كما ورد…
(سنة المعصوم حجه قوله وفعله وتقريره)
نأتي لقول المعصوم
*قول رسول(ص): أمرني ربي أن أزوج فاطمة لعلي عليهما السلام على الرغم من كثرة الخطاب والمتمنين للأقتران بالزهراء (ع) وكان منهم الخليفة الأول والثاني وألحاح الكثير بطلب بيد الزهراء لكن الرسول (ص) أكد أن لا كفأ للزاهراء غير علي ولا كفأ لعلي غير الزهراء عليها السلام.
الدرس من هذا الأختيار، الكفاءة في أختيار الشريك مهمة جداً كفاءة دينية وتربوية وأجتماعية وأقتصادية .
*الدينية أن يكون الطرفان سواء الشاب والشاية على قدر من التدين والخلق الكريم والحالة الأقتصادية المعتدلة والمناسبة لكلا الطرفين لنضمن التوافق في الأختيار
*فعل الرسول ماذا فعل عند النزول الموافقة السماوية؟
نادى الزهراء"ع" وعرض عليها الأمر فأطرقت باستحياء وهذا علامة القبول ورضا
مهر الزهراء"عليها السلام"
مهرها هو ثمن درع الأمام علي الذي لايملك غيره وثمنه 400 درهم .
والمهر المقدم بسيط جداً مع مقام الرسول الذي هو أعلى سلطة سياسية ودينية في زمنه ولم يشترط أو يطلب غير المتيسر وهذا أعظم درس لعوائلنا.
الدرس الأول: المغالاة في المهور وأرهاق العريس وأهله بكثرة الطلبات وتعقيدها…
*الأجراءات المتبعة في استحصال الموافقة تتطلب عدة زيارات ومباحثات للوصول إلى نتيجة، ونرى زواج الزهراء بكل تفاصيله حصل في جلساتين ..سهولة ويسراً..
الدرس الثاني: آن لا نكره بناتنا على الزواج فالعقد باطل شرعاً.
وخاصة في سن مبكرة وبدون اعداد مسبق، وكذا الحال بالنسبة للشاب وما هو شائع عندنا عشائرياً حيث زواج أبناء العم (كَصة بكَصة) أكراها أو فصلاً وهدايا عين الحرام…
السعادة لا تحكمها المادة وأنما القناعة ..في زمننا الموضة في تجدد دائم ووسائل التواصل لا ترحم اذا لم تتحلى الفتاة بالقناعة فلا سعادة ولا استقرار.
*دعى الرسول أصحابه وأخبرهم بأمر الأقتران وعزف من 400 درهم وأعطاها لعمار وحفنة للصحابي الجليل أباذرٍ الغفاري وطلب منهم تجهيز الدار بما هو مهم من الاثاث مثل السرير والفراش والرحاة وقربة الماء والاواني المهمة وما إلى ذلك من تفاصيل المذكورة في كتب التأريخ.
وجعل ثلث المبلغ للطيب (وهذا مهم وسنفصل)
أولا: بالنسبة للأثاث أمر بما هو الحاجة دون الاكثار وهذا درس بليغ للمتفكهين بالجهاز والمغالين بالديكورات.
*أما الطيب فالدرس أن النظافة والتطيب للزوج والزوجة أمر مهم جداً وسبب من أسباب القرب والود واشاعة الحب..
بحكم عمل المرأة في الدار فهي معرضة للتعرق ورائحة الطعام والزيوت فالنظافة الشخصية دليل الوعي والايمان كما ورد في الحديث الشريف
(النظافة من الايمان) فهي مطلب للنفس وللأخرين هنا نشير أن تطيب لا يكون مبالغاً عند الخروج من الدار ففيه اشكال وكراهة شديدة.
بهذه البساطة أسس بيت علي والزهراء "عليهما السلام" على التقوى والايمان واهلهم واليقين الراسخ ان الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين وأن الرزق مفهوم واسع لا يقتصر على المال وأنما القناعة والود والذرية الصالحة والعلم النافع والايمان ومفاهيم لا حصر لها..فكانت اسرة مثالية في كل شيء بدليل قول أمير المؤمنين بحق الزهراء"ع" (فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزوجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر أليها فتنكشف عني الهموم والاحزان)
وقفة تربوية
نخاطب بها الرجال الأزواج عندما يأتي إلى داره متعب من العمل والجهاد لجلب قوة العائلة، وهذا واجب شرعي وأخلاقي يجب أن لايتمنن على العيال بحجه التعب في البيت مع ثقل المسؤولية وكثرة المهام الملقاة على عاتقها.
مثل: الحمل وأرهاقه، الرضاعة والتربية، ومهام البيت والأسرة فيجب مراعاة ذلك…
قول الزهراء"عليها السلام"
(يا أبن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني)
فقال أمير المؤمنين "عليه السلام"
(معاذ الله أنت اعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أٌوبخك بمخالفتي)
وهذا النهج تربوي سامي له آثار على الاستقرار الواضح على ذريتهم المباركة..
الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام) جميعاً
فنرى الأدوار العظيمة التي قاموا بها وخلدها التأريخ وهذا نتاج مبارك لأسرة مثالية.
فالزهراء "عليها السلام" لم تكتفي بمهام البيت والأنجاب والتربية الابناء فقط، وأنما لها أدوار أخرى فكانت تخرج للمسجد لتدريس حلقات النساء بمختلف العلوم وهذا مشهود عند نساء قريش فكن يتحلقن حولها لنهل العلوم منها، فلعبن بذلك دوراً تربوياً فاعلاً ولها عدة خطب في مناسبات مختلفة تنم عن قدرة أدبية وفصاحة وبلاغة أدهشت الحضور والمستمعين.
فالزهراء "ع" لعبت أدوار عدة ومميزة رغم الحداثة سنها، فأن دل على شيء فانه يدل على دورها في المجتمع الإسلامي أنذاك على الرغم من المحاربة المجتمع لدور المرأة وتحجيمها.
والدرس هنا، أن تتحلى المرأة بالصبر على تعدد أدوارها وأن لايكون أحدهم على حساب الأخر فالعمل هو الشريان أقتصادي للأسرة والعلم هو سلاح ونور للعقل وتربية الابناء واجب ديني وأخلاقي وذخر للأبوين وهذا أعظم جهاد فيه خير الدنيا والآخرة.