image


بيت علي وفاطمة: أنموذج للعلاقات الزوجية

الزواج في المنظور الإلهي ليس مجرد ارتباط بشري عابر، بل هو ميثاق غليظ كما عبّر عنه القرآن الكريم، وأسمى شراكة إلهية مقدّسة وُضعت على الأرض، تدلّ على حكمة الله تعالى وإرادته في سعي الإنسان نحو التكامل الروحي والإنساني. في هذا الميثاق، يتّحد الزوجان لتكوين نواة أسرة صالحة تنشئ جيلًا يخدم الدين والمجتمع.

ولنجاح هذه الشراكة، لابدّ من قوانين وأنظمة تحكم العلاقة، فيعرف كل من الزوجين حقوقه وواجباته، وتُصان هذه المنظومة الربّانية التي وصفها الإمام علي (عليه السلام) بقوله:

"الزواج نصف الدين، فمن أكمل نصف دينه أكمل الله له النصف الآخر."

وقد وُضعت أسس الزواج السليم في أقدس بيت وُجد على الأرض: بيت علي وفاطمة (عليهما السلام). هذا البيت الذي اختاره الله بنفسه ليكون نموذجًا للشراكة الزوجية المثالية، حين قال النبي (صلى الله عليه واله) في خطبة زواج ابنته فاطمة (عليها السلام):

"إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي."

(عيون أخبار الرضا، ج2، ص114)


هذا الحديث الشريف يدل على أن هذا الزواج لم يكن قرارًا بشريًا فقط، بل أمرًا إلهيًا، وأن جوهره لم يُبنَ على الماديات، بل على الدين والأخلاق، وهو ما أكده النبي (صلى الله عليه وآله) حين قال:

"من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه."

فالزواج الحق لا يقوم على المظاهر الفارغة، بل على أساس متين من المودة، والرحمة، والتقوى، حيث يخاف كل طرف الله في شريكه، فيدوم الود، وتزدهر العلاقة.

أما ما نشهده اليوم من تفكك وانفصال روحي بين الزوجين، فله أسبابه، وأهمها: سوء الاختيار، وعدم فهم منظومة الزواج، والانشغال بالمظاهر والشكليات على حساب الجوهر الحقيقي للارتباط.

وهكذا، تنتقل فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى بيت النور، لتبدأ حكاية الزواج النموذجي الذي لا يزال نبراسًا ومصدر إلهام لكل الأزواج الباحثين عن السكينة والرضا الإلهي في حياتهم المشتركة.

تنتقل فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى بيت النور

تنتقل فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى بيتها الزوجي، لا محمولة على أكتاف الذهب ولا مثقلة بأثاث فاخر، بل محاطة بهالة من النور الإلهي، والتقوى، والرضا بالقليل، في مشهد يختصر حقيقة الزواج المبارك.

دخلت بيت علي (عليه السلام) وهي سيدة نساء العالمين، لكنها لم تطلب مظاهر الترف، ولم تحتج إلى موكب ولا احتفال، لأنها كانت تعرف أن السعادة لا تُشترى، بل تُبنى على الإيمان، والتفاهم، والرحمة المتبادلة.

كان جهاز فاطمة (عليها السلام) متواضعًا، لكنه محمّل بالبركة، فقد ورد أن جهازها كان من بساطة لا توصف، ومع ذلك شهد التاريخ أنه أكرم بيت وأطهر بيت وُضع على الأرض. بيت لم تُضِئه الشموع، بل أضاءه الإيمان والعمل الصالح والنية الطاهرة.

في هذا البيت، لم يكن الإمام علي (عليه السلام) يرى في فاطمة مجرد زوجة، بل شريكة روحه، وسكن قلبه، وأم أبنائه الأطهار. وكانت فاطمة (عليها السلام) ترى في علي إمامها وقدوتها، تعينه في الشدائد وتستره في العوز، وتبني معه الحياة على الصبر والرضا والطاعة لله.

كانت تقول (عليها السلام):

"ما رأيت عليًّا غضب في وجهي، ولا أغضبته قط.


• المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص1


وهكذا، لم تكن الحياة بينهما خالية من التعب، بل كان فيها مشقّة وجهد، لكنها كانت مغمورة بـالسكينة والمودة، وهذا هو الجوهر الحقيقي الذي أراده الله من الزواج:


"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..." (الروم: 21)


في بيت علي وفاطمة، تعلمنا أن الزواج الناجح ليس في كثرة الكلام المعسول، بل في صبر الطرفين، وتقدير كل منهما لدور الآخر، والتكامل في المسؤوليات، دون تسلّط أو استعلاء.


هو بيت لم يكن فيه خدم ولا قصر، ولكن فيه حضور الملائكة، وتلاوة القرآن، وسجود القلب لله تعالى.


مشهد من بيت النور: الموازنة بين المسؤوليات


في أحد الأيام، شعر الإمام علي (عليه السلام) بأن التعب قد نال من فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد كانت تقسم وقتها بين رعاية أبنائها، وقيامها بعبادتها، والقيام بأعمال المنزل.

فقال لها ذات مرة بلطف ومحبة:

"يا فاطمة، أتريدين أن تقسّمي العمل بيننا؟"


فقالت: "بلى يا أبا الحسن."


فقال: "أنا أكنس البيت، وأنتِ تطحنين.


• الكليني، الكافي، ج5، ص510، باب "معونة الرجل زوجته":


عن الإمام الصادق (عليه السلام):

"كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب، ويستقي، ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز."


• الشيخ الطوسي، الأمالي، ص 669

ومن دون شعور بالتعالي أو فرض الأدوار، قدّم الإمام علي نموذجًا للرجل المتعاون، الحنون، المتواضع، الذي يرى في بيته ميدانًا للمشاركة لا ساحة للهيمنة.


وهكذا قبلت فاطمة (عليها السلام) ذلك التقسيم، وكان كل منهما يؤدي دوره بمحبة ورضا، لأن الهدف عندهما لم يكن التفاخر أو الحساب، بل الرضا الإلهي وبناء أسرة صالحة.


ومع كل هذا العطاء، كانت فاطمة (عليها السلام) تجد في الليل ملجأها إلى الله، فتبقى ساهرة في محرابها، تدعو للمؤمنين، حتى إذا جاء الصباح سألها علي (عليه السلام):


"يا فاطمة، لم لم تدعي لنفسك؟"


فقالت:


"الجار ثم الدار."


هذا هو البيت الذي نقتبس منه الدروس، في النية الصافية، والتكافل، والتراحم، والوعي بأهمية كل طرف في استمرار العلاقة الزوجية.


بيت لم يكن خاليًا من التعب، لكن كان فيه صفاء النية، وصدق المشاعر، ورضا بما قسم الله، فأنبت شجرة طاهرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، خرج منها الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، قادة وقدوات ومصابيح للأمة                           https://nfcc.imamhussain.org/arabic/374

: فاطمة الحسيني