
رُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ (عليه السَّلام) أَنَّهُ قَالَ: «عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَاةُ الإحدى والْخَمْسِينَ ، وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ».
زيارة الأربعين هي زيارة الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاده مع صحبه، وقد ورد في رواية عن الإمام العسكري عليه السلام أنها من علامات المؤمن، ومن هنا تراهم يتمسكون بها، ويولونها أهمية كبيرة من بين الطقوس التي يمارسونها.
ويسعى أتباع أهل البيت عامة، وشيعة العراق خاصة للالتزام بهذه الزيارة والحضور عند حرم الإمام الحسين عليه السلام، فيقوم الكثير منهم بالسير مشياً لمسافات طويلة متجهين صوب المرقد الطاهر في كربلاء ومن شتى المدن والقرى، حتى أن مسيرة الأربعين أخذت تمثل أكبر تجمع لأتباع أهل البيت عليهم السلام والتي لم يسبق لها مثيل في العالم، وبالتحديد في السنين التي تلت سقوط نظام حزب البعث بعد 2003م.
مباحث الرواية الشريفة
المبحث الأول: لماذا التأكيـــد على زيارة الأربعين!!
إن للإمام الحسين عليه السلام زيارات عديدة، ولكن نجد أن لزيارة الأربعين خصوصية أكثر من بقية الزيارات لعدة أسباب، نذكر منها الأسباب الآتية:
أولاً: تخليداً لذكراه ولتجديد الحزن عليه السلام
بيان ذلك: إنّ النواميس المطردة مواظبة على الاعتقاد بالفقيد بعد أربعين يوماً مضين من وفاته بإسداء البِرِّ إليه، وتأبينه، وعدّ مزاياه في حفلاتٍ تُعقَد وذكريات تُدَوَّنُ تخليداً لذِكْرِه، وهذه السنّة الحسنة تزداد أهميّةً كلّما ازداد الفقيدُ عَظَمَةً، وكَثُرَتْ فضائله، وهي في رجالات الإصلاح والمقتدَى بهم من أكابر الدين أهمّ وآكد؛ لأنّ نَشْرَ مزاياهم وتعاليمهم يحدو ويحثّ إلى اتّباعهم واحتذاء مثالهم في الإصلاح وتهذيب النفوس.
ولذا لما نستقرئ النصوص الشرعية نجدها تثبت بأن للمؤمن خصوصية منها: حزن الموجودات عليه مدة أربعين يوماً، روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-في قوله عز وجل:﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ﴾ قال بفقد المؤمن أربعين صباحاً.
يقول ابن جرير الطبري في تفسيره معقباً على تفسير الآية 29 من سورة الدخان: روي عن سعيد بن جُبير، قال: أتى ابن عباس رجل، فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، بكى عليه؛ وإذا فقده مُصَلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض.
نفهم من هذا أن من السنن الكونية هي أن الموجودات تحزن وتبكي على المؤمن أربعين يوماً، وبالأخص حجج الله على البرايا، وقد صرّحت نصوص روائية بأن الموجودات قد حزنت على الإمام الحسين عليه السلام ، فقد روي عن زرارة عن مولانا الإمام الصّادق عليه السلام: إنّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدّم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسّواد، والشّمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما اختضبت امرأةٌ منّا ولا ادّهَنَتْ ولا اكتَحَلَتْ ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عَبْرَة من بعده.
ثانياً: لأن الإمام الحسين عليه السلام قد دُفن في يوم الأربعين.
نعم، إن جسد الإمام الحسين عليه السلام قد دفن في اليوم الثالث عشر من محرم الحرام، ولكن لم يدفن معه الرأس، بل رُفع على رمح طويل وأخذ مع السبايا طوال مدة الأسر، ولم يدفن إلا عندما رجعوا لكربلاء في يوم الأربعين، ومن المعلوم أن أهم جزء من أجزاء الإنسان هو الرأس، فلذا الدفن الكلي لجسم الإمام الحسين عليه السلام قد اكتمل في يوم الأربعين؛ فلذا ورد استحباب أحياء هذا اليوم وبالأخص أن لهذا الرأس الشريف في واقعة كربلاء مواقف وحوادث مختلفة منها:
أن رأسه الشريف احتُز من القفا ، ورُفع على الرمح وأخذه خولي معه إلى داره وأخفاه في الحجرة أو في التنور، وكان الرأس يتلو القرآن وهو مرفوع على قصبة في دروب الكوفة، ووضع بين يدي ابن زياد في طشت من ذهب ، وفي الطريق إلى الشام كان الرأس سبباً في إسلام راهب كان يتعبّد في دير ترسا بقنّسيرين، وفي قصر يزيد وضعوه في طشت وأحضروه بين يديه، فأخذ يزيد يضرب على الرأس والثنايا بقضيب كان في يده، وفي خرابة الشام أخذ إلى السيدة رقية بنت الإمام الحسين عليه السلام، وكل واحد من هذه المواقف جدير وحده بكثير من المراثي المؤلمة، وقد نظّم الشعراء في هذه الوقائع أشعاراً ومراثي كثيرة.
ثالثاً: تأسياً بفعل الإمام السجاد عليه السلام
حيث يروى انه رجع وعياله إلى كربلاء في يوم الأربعين، والتأسي يقتضي الاقتداء والمتابعة، قال الإمام علي عليه السّلام: ألا وإنَّ أبغَضَ النّاسِ إلَى اللهِ مَن يَقتَدي بِسُنَّةِ إمامٍ ولا يَقتَدي بِأَعمالِهِ.
قال السيّد ابن طاووس: (قال الراوي: ولما رجع نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق، قالوا للدليل: (مُرَّ بنا على طريق كربلاء) فوصلوا إلى موضع المصرع ).
وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: (فسألوا أن يُسار بهم على العراق؛ ليُجدّدوا عهداً بزيارة أبي عبد الله عليه السلام).
وقال القندوزي: (ثمّ أمرهم -يزيد -بالرجوع إلى المدينة المنوّرة، فسار القائد بهم، وقال الإمام والنساء للقائد: بحقّ معبودك أن تدلُّنا على طريق كربلاء، ففعل ذلك حتّى وصلوا كربلاء).
رابعاً: تأسياً بأول زائر لقبر الحسين عليه السلام
لقد صرّح كثير من العلماء بأن جابر بن عبد الله الأنصاري (ره) هو أوّل مَن اكتسب شرف عنوان زائر قبر الإمام الحسين عليه السلام وكفاه شرفاً وكرامة وذخراً.
فتأسيا بفعل هذا الصحابي الجليل؛ لكون ما قام به كان عملاً عظيماً، حيث كان تطبيقاً للمودة الصادقة التي فرضها الله علينا، ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ﴾ ، وتطبيقاً لأوامر الرسول التي تحث على زيارة الإمام الحسين بعد شهادته، وترتب على من يقوم بذلك أجراً لا حد له ولا حصر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (يأتي قوم في آخر الزّمان يزورون قبر ابني الحسين ، فمن زاره فكأنّما زارني، ومن زارني فكأنّما زار الله سبحانه، ألا ومن زار الحسين فكأنّما زار الله في عرشه).
خامساً: إن لرقم الأربعين سراً إلهياً
بغض النظر عن كل ما ذكرناه فإن للأربعين سراً من الأسرار الإلهية لا يعلمه إلا الله ومن أطلعهم على سره، فلما نستقرئ النصوص الشرعية نجدها تشير إلى أعداد محددة كما في بعض الأوراد، ومن أهم تلك الأعداد (7 و70) ولعل أكثر عدد أكدوا عليه هو العدد (40) وقد أولاه العلماء اهتماماً كبيراً، ففيه سرٌ دفين وقد امتاز على جميع الأعداد.
يقول السيد محمد الغروي مترجم كتاب «الأربعون حديثاً» للإمام الخميني: «لا يعرف أحد السر الدفين في عدد الأربعين وفلسفته الوجودية وامتيازه على الأعداد الأخرى والأرقام الثانية».
القرآن الكريم يذكر لنا بعض قصص الأنبياء ويشير إلى دور هذا العدد في حياتهم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وروايات أهل البيت عليهم السلام تؤكد على العدد (40) في جوانب ومجالات مختلفة.
لنتوقف مع هذا العدد وقفات، ونذكر بعض المواضع التي ذُكر فيها العدد العجيب (40):
أولاً: تحدث القرآن الكريم عن قوم النبي موسى عليه السلام ورجوعهم للكفر الذي كانوا عليه بعد أن تأخر عنهم نبي الله موسى (40) ليلة، قال تعالى:﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾.
كما أشار القرآن في موضع آخر إلى قوم النبي موسى عليه السلام وكيف أصابهم العذاب نتيجة عصيانهم لله تعالى، قال تعالى:﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾.
ثانياً: إن الجسم يبلغ كماله في هذه المدة، قال تعالى:﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ﴾.
وآثار الإخلاص لله تتفجر لدى المؤمن إذا استمر عليه لمدة أربعين يوما، روي عن الإمام الباقر عليه السلام:" ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يومًا، أو قال ما أجّل عبد ذكر الله أربعين يومًا إلا زهده الله في الدنيا، وبصره دائها، ودوائها، وأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه".
ثالثاً: استحباب حفظ أربعين حديثًا، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من حفظ عني من أمتي أربعين حديثًا في أمر دينه يريد به وجه الله -عز وجل-والدار الآخرة بعثه الله يوم القيامة فقيها عالماً".
وهناك مواضع عديدة أخرى لم أذكرها ويمكنكم الاطلاع عليها من كتاب (زيارة الأربعين فوق الشبهات) تأليف ميّاسة شبع.
مما تقدم يتبين أن هذا العدد له أثر كبير على الروح؛ ولذا اهتم به العلماء والفقهاء.
المبحث الثاني: شبهات تتعلق بزيارة الأربعينية
قد يتبادر في أذهان بعض المشككين، شبهات وأسئلة حول زيارة الأربعينية، نذكر منها ما يلي:
الشبهة الأول: نسمع من بعض المخالفين أنه لا يجوز للمرأة أن تزور القبور، وبهذا فلا يجوز لها زيارة الإمام الحسين عليه السلام؟
الجواب: عندما نستقرئ النصوص الشرعية نجدها تثبت جواز زيارة القبور للنساء أيضاً، فقد روي عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: «عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يومًا، لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرتين: الاثنين، والخميس».
وعن يونس عنه عليه السلام: «أنّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت، فتأتي قبر حمزة فتترحّم عليه وتستغفر له».
ومن المعلوم أن السيدة فاطمة عليها السلام أقوالها وأفعالها حجة علينا لكون الله قد طهرها وعصمها.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال لامرأة أرادت زيارة قبور الشهداء: «ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد، وتتركون سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عليه السلام، قالت: إنّي امرأة، قال: لا بأس بمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزوره، قالت: أيّ شيء لنا في زيارته؟ قال: كعدل حجّة وعمرة، واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامها، وخير منهما”.
وروي عن أم سعيد الأحمسية، قالت: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أم سعيد تزورين قبر الحسين عليه السلام؟ قالت: قلت نعم، قال: يا أم سعيد زوريه فإن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء».
وروي عن زرارة قال عليه السلام: «يا زرارة ما في الأرض مؤمنة إلاّ وقد وجب عليها أن تسعد فاطمة عليها السلام في زيارة الحسين عليه السلام».
وفي مصادر الخاصة يروى أن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن، فقيل لها: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن زيارة القبور، فقالت: نهى ثم أمر بزيارتها». وأن النساء داخلات في الرخصة.
وقد يثبت بعضهم كراهة زيارة النساء للقبور بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: «لعن الله زوّارات القبور» ، فبغض النظر عن مدى صحة هذا الحديث، لكنه يُحمل فيما لو كانت زيارتهنّ مؤدّية إلى الجزع والتسخّط لقضاء الله؛ لضعفهن عن الصبر، أو لمنافاته الستر والصيانة وعدم الأمن والصون.
إذاً الحكم الأولي لزيارة القبور من قبل النساء يبقى على استحبابه، ولكن بالعنوان الثانوي يكون مكروهاً فيما لو اقترن بما يتعارض مع الشريعة.
الشبهة الثانية: لا داعي لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام مشياً على الأقدام وتحمل المشقة الكبيرة، في حين تتوفر وسائل النقل السريعة والمريحة!!
الرد على الشبهة:
1. لا يخفى أن أصل المشي إلى العتبات المقدّسة بصورة عامّة، كالمشي إلى مكّة المكرّمة يرجع تاريخه إلى آدم عليه السلام فإنّه مشى إلى بيت الله تعالى سبعين مرّة، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من حج ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم). ولقد حج الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ماشيًا على قدميه عشرين مرة وليس لعدم وجود راحلة يركبها وإنما كان تعظيماً لبيت الله الحرام والمقصود إليه، وبملاك التعظيم والتوقير يستفاد استحباب المشي إلى مرقد الإمام الحسين عليه السلام بل كل مراقد الأئمة الأطهار ؛ فإنّه يعدّ من أفضل القربات إلى الله عزّ وجلّ، حيث ورد في الأحاديث أن خير الأعمال أحمزها أي: أشدها وأصعبها، ولذا ترى الحجيج في الأزمان السالفة إذا أرادوا الاستزادة في الثواب قطعوا طريق الحج مشياً على الأقدام، وهذه من مسلّمات الشريعة السمحاء، وزيارة الإمام الحسين عليه السلام قد ثبت ثوابها عندنا فلا ضير بأن يكون المشي على الأقدام لتلك الزيارة أعظم ثوابًا.
كما أكّد على ذلك أئمّتنا الأطهار حتى في أدعيتهم كدعاء كميل: (وليت شعري يا سيّدي ومولاي أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة... وعلى جوارح
سعت إلى أوطان تعبّدك طائعة)، فمن أوطان التعبّد وأبواب الإيمان: محمّد وآله الطاهرون، شفعاء الخلق أجمعين.
2. هناك خصوصية في زيارة الأربعين فإن المشي إلى كربلاء فيها يضاف إلى ما سبق: كونه تأسياً بعائلة الإمام الحسين عليه السلام التي تحملت الآلام والمتاعب حتى وصلت إلى الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين، فمحبو الإمام الحسين يتحملون المتاعب مواساة لعائلة الإمام الحسين عليه السلام.
3. ورود نصوص صريحة وصحيحة السند في الحث عليها مشياَ على الأقدام منها:
لقد شجع الأئمة عليهم السلام على المشي لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «من زار أمير المؤمنين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حجّة وعمرة، فإن رجع ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حجتين وعمرتين».
وأما النصوص الروائية في الحث على زيارة الإمام الحسين عليه السلام ماشياً فكثيرة نذكر منها: ما روي عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام إن كان ماشيًا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى».
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام يقول: «من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيًا كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أتاه في سفينة فكفأت بهم سفينتهم نادى مناد من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة».
4. الاعتراض على الزيارة ماشيًا لا يؤثر تأثيرًا سلبيًا على صحة الزائر حتى يخاف عليه منه، فهو بالإضافة إلى الآثار المعنوية والروحية، فهو يقلل الدهون في جسم الإنسان، ويخفض مستوى الكولسترول في الدم الذي يقلل من الإصابة بتصلّب الشرايين أو انسدادها ، وكلما حصل الإنسان على لياقة أثناء مزاولة المشي تحسّن عمل القلب في دفع كمية أكبر من الدم بأقل عدد من ضربات القلب، والمشي يخفض ضغط الدم للمصابين بارتفاع ضغط الدم، والتمثيل الغذائي الذي يحرق السعرات الحرارية المخزونة في الجسم، والمشي يساعد على وقاية العظام والضعف عند الكبر، و زيادة القوة العضلية، وزيادة المرونة وتحسين الجهاز الدوري والتنفسي، ناهيك عن فوائد تخفيف الضغط النفسي، والأبعاد الاجتماعية الإيجابية.
الشبهة الثالثة: يشم بعض المشككين من بعض النصوص الروائية التي تحث على زيارة الإمام الحسين عليه السلام رائحة الغلو، إذ كيف تكون زيارته -عليه السلام-أفضل من الحج؟!
الجواب: إن الثواب العظيم المترتب على زيارة الإمام الحسين عليه السلام الذي هو أعظم من الثواب المترتب على الحج ليس بغلو؛ للأسباب الآتية:
1. إن أفضلية الزيارة على الحج الواردة في الروايات لا تعني أن أي أحد يحق له ترك الحج الواجب والذهاب إلى الزيارة المستحبة، وذلك لأن الأفعال الواجبة يكون الملاك فيها والمصلحة أهم من الملاك في الأفعال المستحبة؛ ولذلك عده الشارع واجباً ولا يجوز تركه، في حين أن الأفعال المستحبة يجوز تركها؛ لأن ملاكها والمصلحة فيها أقل أهمية، فالوجوب والاستحباب في الأفعال تابع للملاك، ولا علاقة لكثرة الثواب المترتب على الفعل بالملاك، فقد يكون فعل مستحب أزيد ثواباً من ثواب الواجب، كما في ثواب ابتداء السلام بالنسبة إلى ثواب الجواب، فإن الأول (السلام) أكثر، مع أن الثاني (رد السلام) واجب، وكذلك الحال بزيارة الحسين عليه السلام إذا كان ثوابها أكثر من ثواب الحج الواجب ولكن يبقى الحج واجباً ولا يجوز تركه لأن ملاكه أهم.
2. يظهر من بعض الروايات أن المراد بالحجة والعمرة هما المستحبة منها، وبذلك لا يبقى مجال للالتباس، وهناك الكثير من الأعمال التي وردت فيها عند جمهور المسلمين أنها أفضل من الحج المستحب! فإنهم يروون عن عمر أنه قال: (لو كنت مؤذنًا لم أبال أن لا أحج ولا اعتمر إلا حجة الإسلام، ولو كانت الملائكة نزولًا ما غلبهم أحد على الأذان).
وكذلك رووا في فضل التسبيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (من سبح الله مئة بالغداة ومئة بالعشي كان كمن حج مائة حجة) . وكذلك رووا: (من رابط يوماً في سبيل الله في شهر رمضان كان خيراً له من عبادة ستة مائة ألف سنة وستمائة الحجّة وستمائة ألف عمرة). وكذلك رووا عن النبي صلى الله عليه وآله: (رد دانق من حرام يعدل عند الله سبعين حجة) . وكذلك رووا (من خاض في العلم يوم الجمعة... وكأنما حج أربعين ألف حجة).
إذن هناك أشياء أفضل من الحج والعمرة كما روي، فما المانع من أن تكون من تلك الأشياء أيضاً ما رواه أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام من أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام أفضل من الحج المستحب.
هذا كله لو جردنا الزيارة والحج عن كل شيء يحصل أثناءهما خارجًا عنهما، أما لو حصل في أثناء أحدهما شيء، بالإضافة إلى الحج أو الزيارة فسيكون هو الأفضل، فمثلاً زيارة الإمام الحسين عليه السلام فيها تعظيم لشعائر الله، وأن الثواب المذكور يعطَى للعارف بحق الإمام، وأن الزائر للإمام الحسين عليه السلام يتعرض للظلم والاضطهاد ما لا يتعرض إليه الحاج والمعتمر، وغير ذلك من الخصوصيات التي تجعل ثواب زيارة الإمام الحسين عليه السلام المستحبة أفضل من الحج المستحب.
أذن نفهم من خلال ما تقدم بأن لزيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين خصوصية الذي فيه وصلن النساء والأطفال والإمام زين العابدين عليه السلام إلى قبر الإمام الحسين (عليهما السلام)، حيث يروي لنا صاحب معالي السبطين: فلما بلغوا أرض كربلاء نزلوا في موضع مصرعه وجدوا جابر بن عبد الله مع جماعة من بني هاشم وغيرهم، وقد وردوا إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام فتلاقوا في وقت واحد، وأخذوا بالبكاء والنحيب واللطم، وأقاموا العزاء مدة ثلاثة أيام.
قال بعض الأكابر نقلا عن بعض من حضر ذلك اليوم لما وصلت السيدة زينب عليها السلام إلى كربلاء نزلت من على ظهر ناقتها وهي تحمل تحت ردائها شيئا لا نعلمه حتى وصلت إلى قبر الحسين فأخرجته وإذا هو رأس أخيها (عليه السلام)..
(مجردات)
يا نازلينَ بكربلا هل عندكمْ خبرٌ بقتلانا وما أعلامُها
ما حالُ جثةِ ميتٍ في أرضِكم بقيت ثلاثا لا يُزار مقامها
بالله هل رُفعت جنازتُه وهل صلّى صلاةَ الميتينَ إمامها
بالله هل واريتموها في الثرى وهل استقرت في اللحود رِمامها
واجتمع إلى أهل البيت نساء أهل السواد، فخرجت السيدة زينب عليهاالسلام في الجمع، ونادت بصوت حزين يقرِّح القلوب: وا أخاه وا حسيناه، وا حبيب رسول الله، وا ابن مكة ومنى، وا ابن فاطمة الزهراء، وا ابن علي المرتضى، آه ثم آه ووقعت مغشيا عليها، واجتمع النساء فرششن عليها الماء حتى أفاقت، وكأني بها تقول:
وكأني بالجواب:
ما غسَّلوه ولا لفَّوه في كفنٍ يومَ الطفوفِ ولا مدُّوا عليه رِدا
[1] صلاة إحدى وخمسين: وهي عبارة عن مجموع الفرائض(17) والنوافل (34)، فالإمام (ع) يذكر أول علامة، الصلاة بفرائضها ونوافلها، دلالة على أهميتها، وتأكيداً على المحافظة عليها، ومن المعلوم أن النوافل تجبر ما في الصلاة من خلل ونقص، سواءً في الظاهر: الأجزاء والشرائط، أو الباطن: في الإقبال القلبي.
[1] التختّم باليمين: التختم باليمين من سنة النبي ص التي عمل بها ودعا إليها، واقتفى أثره الأئمة (ع)، ولكن بعض المخالفين، الذين يحملون العداء لأهل البيت (ع)، خالفوا عناداً بالتختم باليسار، والذي مهد لهذا العناد والتوجه المعاكس لأهل البيت (ع)، هم: الجهاز الحاكم، والبلاط، والأمراء، والسلاطين، والمحدثون الذين كذبوا على النبي ص.
[1] تعفير الجبين: في روايات الفريقين، ليس هنالك نص إسلامي يدل على أن النبي ص سجد على الأرض، أو ما تنبته الأرض كالخمرة والحصيرة، فلقد كان (ص) يسجد على الطين أو التراب، أو كان يستخف من الحصير شيئاً، إن المؤمن في سجوده يعفر جبينه، ونحن عندما نسجد على تربة كربلاء؛ لأنها من مصاديق التراب، وإلا ليس الأمر متوقفاً على ذلك، ومن الملاحظ أن المؤمن يضع الجبهة، وهي أعلى منطقة في الإنسان -المحاذية للمخ، وأساس التفكير الإنساني، وأشرف جزء في وجوده- على أخس وأرخص شيء في هذا الوجود وهو التراب، فهذا سلمان المحمدي (رض) يصرح بأن هذه الدنيا ليس فيها ما يغري، لولا هذان العنصران: الجلوس مع الإخوان، والسجود بين يدي الله -عز وجل-.
[1] الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم: إن آية البسملة من أعظم آيات القرآن الكريم، والنبي ص كان يبسمل ويجهر في بسملته، والشاهد على ذلك الروايات الكثيرة المتعددة في هذا المجال، ومن المناسب أن نذكر كلمة للفخر الرازي -الذي هو أحد علماء العامة-في تفسيره للقرآن الكريم، هو عندما يصل لآية بسم الله الرحمن الرحيم يذكر بـ (أن علياً (ع) جهر بالبسملة، ومن اتخذه إماماً لدنياه وآخرته؛ فقد فاز).
[1] المزار للشيخ المفيد، ص53. وابن قولويه في الكامل:325، والشيخ في مصباح المتهجد:730، التهذيب 6:52، الوسائل 14: 478، ذكره السيد ابن طاووس في الإقبال 3: 100، مصباح الزائر: 347، والكفعمي في مصباحه: 489، بحار الأنوار ج82، ص75.
[1] ويكي شيعة -الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت ع التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) /. wikishia.net/ زيارة الأربعين.
[1][1] مقتل الحسين للمقرم، ص 364، بتصرف.
[1] الدخان/29.
[1] المستدرك للحاكم النيسابوري، ج2، ص449.
[1] وروي عن شريح بن عبيد الحضرمي، قال: قال رسول الله ص: "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، ألا لا غربة على المؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ رسول الله ص: فما بكت عليهم السماء والأرض، ثم قال: إنهما لا يبكيان على الكافر". (المصدر السابق نفسه).
[1] علل الشرائع، ج1، ص227، ب 162.
[1] عوالم الإمام الحسين:303-304.
[1] أمالي الصدوق-ص140.
[1] الكافي-الكليني-ج 8 -ص 234.
[1] الملهوف-ابن طاووس-ص ٢٢٥.
[1] تسلية المجالس: ٢/ ٤٥٨.
[1] ينابيع المودّة-القندوزي-ج ٣-ص ٩٢.
[1] الشورى/23.
[1] فضل زيارة الحسين (ع) -محمد بن علي الشجري -ص ٣٩.
[1] الأربعون حديثاً-ص7.
[1] البقرة/51.
[1] المائدة/26.
[1] الأحقاف/15.
[1] بحار الأنوار-المجلسي-ج 70-ص240.
[1] بحار الأنوار-المجلسي-ج2-ص154.
[1] الكافي-الكليني-ج -ص ٢٢٨-ح ٣.
[1] من لا يحضره الفقيه-الصدوق-ج ١-ص ١١٤، ح ٥٣٧.
[1] هداية الأمة إلى أحكام الأئمة-الحر العاملي -ج5-ص478.
[1] كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه -ص ٢٣٧.
[1] بحار الأنوار -العلامة المجلسي -ج ٩٨ -ص ٧٥.
[1] مسند أبي يعلى ٨: ٢٨٤، ح ٤٨٧١، المستدرك على الصحيحين ١: ٣٧٦، السنن الكبرى ٤: ٧٨.
[1] المصنف -عبد الرزاق-ج ٣-ص ٥٦٩-ح ٦٧٠٤.
[1] حاشية رد المختار -ابن عابدين-ج 2-ص 507.
[1] بحار الأنوار-المجلسي-ج43 -ص332.
[1] وسائل الشيعة -الحر العاملي -ج ١٤ -ص ٣٨٠.
[1] كامل الزيارات-لابن قولويه -ص253.
[1] كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه -ص ٢٥٧.
[1] كنز العمال-التقي الهندي-ج8 -ص338.
[1] سنن الترمذي-حديث رقم 3471.
[1] كشف الخفاء-العجلوني-ج1 -ص428.
[1] كشف الخفاء -العجلوني -ج ٢ -ص٢٤٩.
[1] مجمع مصائب أهل البيت ع-الشيخ محمد الهنداوي-ج3-ص76-238.