image

تُعدّ حادثة المباهلة واحدة من أعظم المشاهد التي تجلّت فيها مكانة أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها تتضح معالم الولاية، والطهارة، والتوكيد على وجوب اتباعهم، فهم الامتداد الأصيل لرسالة السماء.


ما هي المباهلة؟

في السنة التاسعة للهجرة، أرسل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم رسالة إلى نصارى نجران، وهي قبيلة مسيحية كبيرة كانت تسكن جنوب الجزيرة العربية، يدعوهم فيها إلى الإسلام. وبعد حوار مفصّل حول نبوة عيسى عليه السلام، وطبيعة الله، ووحدانيته، بقي الخلاف قائمًا، فأنزل الله تعالى قوله:

﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ، وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ، وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾

[سورة آل عمران: 61]


من الذين دعاهم النبي للمباهلة؟

في مشهدٍ مهيب، خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمباهلة ومعه أربعة من أهل بيته فقط:

. الحسن والحسين عليهما السلام: مصداق "أبناءنا".

. فاطمة الزهراء عليها السلام: مصداق "نساءنا".

. الإمام علي عليه السلام: مصداق "أنفسنا".

ولم يدعُ أحدًا من الصحابة أو وجهاء القوم، بل اكتفى بهؤلاء، وهو ما أثار دهشة وفد نجران، فقال أحدهم:

"إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يُزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا، فتهلكوا."

فتراجعوا عن المباهلة، واختاروا المصالحة ودفع الجزية، لما رأوا من جدّية النبي وثقته فيمن جاء بهم.



لماذا دعا النبي أهل بيته فقط؟

1. تأكيد على طهارتهم وعصمتهم

المباهلة دعاء عظيم، لا يدخلها إلا من كان على يقين تام بصدقه وبراءته من الكذب. واختيار النبي لهؤلاء الأربعة يُعدّ تأكيدًا على عصمتهم وطهارتهم من الرجس، كما ورد في آية التطهير.

 ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾

2. إثبات أنهم مصداق الآية القرآنية

وقد أجمعت كتب التفسير أن هذه الآية نزلت في هؤلاء الخمسة: النبي، علي، فاطمة، الحسن، الحسين عليهم السلام.


3. تثبيت خط الإمامة والولاية

تُعد حادثة المباهلة من أوضح الأدلة على أن أهل البيت هم الامتداد الحقيقي لرسالة النبي، وأن الإمام علي عليه السلام، بصفته "نفس النبي"، هو أولى الناس بالقيادة من بعده، وأن الحسن والحسين من صلب النبوة، يحملان إرثها العلمي والروحي.


المباهلة ليست مجرّد حوار عقائدي مع وفد من أهل الكتاب، بل هي تجلي قرآني ونبوي لمقام أهل البيت عليهم السلام، وتأكيد على أنهم:


أهل الصدق والطهارة، حملة الدين الإلهي، ورثة النبوة بعد خاتمها.


إنّ اصطحاب النبي لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، في موقف مصيري يتعلّق بإثبات الحق، هو أعظم شهادة نبوية على مكانتهم، ودعوة للأمة أن تعرف من هم معدن الرسالة، ومن يجب التمسك بهم.

: فاطمة الحسيني