image



مكانة المرأة في الإسلام ودورها في تنمية المجتمع

الأسرة أساس التنمية


إذا أردنا أن نتحدث عن تنمية المجتمع وتطوره ورفع مستواه الثقافي والديني والأخلاقي، فلا بد أن نبدأ من الأسرة؛ فهي الخلية الأولى في بناء المجتمع. ولا يمكن للأسرة أن تستقيم إلا بوجود نواة صالحة تغذيها بالعلم والإيمان، وتزوّدها بمقومات الحياة الكريمة. وهنا يبرز دور المرأة؛ فهي أساس الأسرة وصانعة أجيالها، وبصلاحها تصلح الأسرة، ومن ثم ينهض المجتمع ويتطور.

المرأة المغير الحقيقي في المجتمع

لقد نظر الإسلام إلى المرأة بوصفها نصف المجتمع وركيزة أساسية في مسيرة الإنسان نحو الكمال، فكرّمها الله تعالى وأعطاها حقوقها كاملة، وصانها من الظلم الذي عانت منه عبر التاريخ. فجعلها سبحانه السكن الروحي للزوج، ورفع مقامها كأمٍّ تحت قدميها الجنة، واعتبرها البنت المؤنسة الغالية.

إن قيمة المرأة في الإسلام لا تنحصر في بعدها الجسدي أو الاجتماعي فحسب، بل تتجلى في كونها شريكة الرجل في حمل الأمانة الإلهية والسير معه في طريق التكامل، قال تعالى:

﴿إِنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ [آل عمران: 195].

ولكي تنال المرأة هذه المقامات المباركة التي أشار إليها القرآن الكريم وأكدها الأنبياء والأولياء، فلا بد أن تُنشأ تنشئة صحيحة تُعرّفها بحقوقها وواجباتها، حتى تكون قادرة على الإسهام بوعيها في بناء المجتمع ونهضته.

والمرأة هي الركيزة الأكثر تأثيرًا في الأسرة والمجتمع، لما تملكه من قدرات روحية وتربوية عظيمة. فهي تستطيع أن تكون زوجة صالحة، وأمًّا مربية، وموظفة منتجة، وإنسانة فاعلة في مختلف ميادين الحياة، ومن خلالها يخرج جيل مسلح بالعلم والمعرفة.


وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):

"المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح" (الكافي، ج5، ص327).

ومن خلال هذا الحديث الشريف يتضح أن صلاح المرأة لا ينحصر في ذاتها، بل يمتد أثره إلى أبنائها وأجيالها، لأنها منشأ الإنسان ومربيته. فإذا أنشأت أسرتها تنشئة صحيحة مستمدة من الدين وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، فإنها تُخرّج أفرادًا صالحين نافعين للأسرة والمجتمع. وهكذا تؤدي دورها كأمٍّ صالحة تسهم في صناعة جيل متوازن وواعٍ. وهذا الدور هو الأهم والأعظم، لأنها المؤثر الفاعل المباشر في التربية، وصاحبة البصمة الكبرى في توعية المجتمع وتطويره عبر سلوكيات الأبناء وأخلاقهم.

دورها الرسالي في المجتمع

وإذا خرجت المرأة إلى المجتمع وفق الضوابط الشرعية والحدود التي وضعها الإسلام لحفظ كيانها وصيانتها، فإنها تستطيع أن تؤدي دورًا رساليًا عظيمًا، وتكون قدوة وأسوة في عصرها إذا استمدت منهجها من السيدة الزهراء والسيدة زينب (عليهما السلام)، اللتين تمثلان النموذج الأكمل للمرأة المسلمة.

وهنا تبرز أهمية القدوة؛ فالسيدة الزهراء (عليها السلام) لم تكن فقط ابنةً للنبي (صلى الله عليه وآله)، بل كانت تجسيدًا لرسالة السماء في صورة امرأة. والعقيلة زينب (عليها السلام) لم تكن شاهدة على واقعة الطف فحسب، بل كانت اللسان الناطق بالحق، والوعي الحافظ للدين، والمكملة لمسيرة الحسين (عليه السلام).

إن اتخاذ القدوة في حياة المرأة أمرٌ ضروري لتكوين شخصيتها وتهذيب أفكارها ومعرفة مساراتها الصحيحة، وهذا يتحقق من خلال التأمل في كيفية نجاح سيدة نساء العالمين وابنتها العقيلة زينب (عليهما السلام) في أداء دورهما العظيم في الأسرة والمجتمع، عبر الجمع بين الوعي والإيمان، والعلم والعمل، والصبر والجهاد.

مواجهة التحديات

إنّ أكبر تهديد للمجتمعات ليس في الحروب أو الفقر وحدهما، بل في تفكك الأسرة واغتراب المرأة عن حقيقتها. فحين تُختطف المرأة إلى مسارات تُغتال فيها أنوثتها وتُبعد عن رسالتها، يضعف المجتمع بأسره. ولهذا جعل الإسلام تحصين المرأة بالعلم والإيمان هو السدّ الأول في مواجهة كل هجمة فكرية أو حضارية تستهدف الأمة.

وإذا تمكنت المرأة من إدراك مكانتها ودورها الكبير في هذا العالم، فإنها ستحدث تغييرًا حقيقيًا وواضحًا في المجتمع وفي جميع مجالات الحياة. ومن خلال وعي النساء بمسؤولياتهن يمكن التصدي لكل الأفكار الدخيلة والهجمات التي تسعى إلى تفكيك الأسرة والنيل من المرأة عبر بث السموم الفكرية التي تقلّل من شأنها الرفيع ومكانتها المحفوظة في الإسلام. فالمرأة حين تتسلح بالفكر السليم والمنهج القويم، تصبح الحصن المنيع للأسرة والمجتمع.



: تحرير /فاطمة الحسيني