
اختار الإمام الحسين عليه السلام أصحابه يوم عاشوراء بعناية فائقة، وفق معايير سامية، تتجلى في الإخلاص المطلق والوفاء التام لله تعالى ولرسوله وللإمام نفسه، فتقدموا صفوف القتال مستعدين للتضحية بأرواحهم دون تردد. لم تكن شجاعتهم مجرد قوة بدنية، بل كانت مصحوبة بحكمة ووعي عميقين، إذ وقفوا ثابتين في أصعب المواقف، وهم يحملون فكراً روحانياً عقائدياً مستمداً من قيم أهل البيت عليهم السلام، قادرين على الصبر وتحمل المحن والمشقات بثبات.
لقد اجتمعت فيهم تلك الصفات مع تجربة طويلة وارتباط مباشر برسول الله وأهل بيته الطاهرين، ما أكسبهم فهماً معمقاً للدين وشجاعة لا تهتز، وجعل منهم نموذجاً خالدًا للوفاء والشجاعة في مواجهة الظلم والفساد.
يقول الإمام الصادق عليه السلام:
«إنّ أصحاب الحسين (عليه السلام) لم يُسبقوا، ولم يُلحقوا. وإنّهم كانوا مصابيح الدجى، وأعلام التقى.»
(بحار الأنوار، ج44، ص298)
ويصفهم قائلاً:
«ما نزلت بأحدٍ نازلة إلا وكانوا عنده كالصخرة الصماء.»
(بحار الأنوار، ج44، ص298)
من هم أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بلغ عددهم في يوم عاشوراء أكثر من سبعين رجلاً من أنصار الحق، ومن أبرزهم:
1. الحر بن يزيد الرياحي
أول من اعترض طريق الإمام، لكنه تاب بصدق ووقف موقف البطولة.
قال للامام: «هل لي من توبة؟» فأجابه: «نعم، تُب عليك الله.»
(بحار الأنوار، ج44، ص388)
2. زهير بن القين البجلي
فارس شجاع وحكيم، انضم للإمام بعدما تأكد من حقّيته، قاتل ببسالة حتى استشهد.
قال للإمام: «والله لوددتُ أني قُتلت، ثم نُشرت، ثم قُتلت، ويفعل بي ذلك ألف مرة، وأن الله يدفع بك القتل عن نفسك.»
(الإرشاد للمفيد، ص231)
3. حبيب بن مظاهر الأسدي
من كبار شيعة الكوفة وصحابة رسول الله، قائد ميمنة جيش الحسين، قاتل ببسالة حتى استشهد عن عمر يقارب 70 سنة.
(كامل الزيارات، ص262)
4. مسلم بن عوسجة الأسدي
من أوائل المناصرين للإمام في الكوفة، شيخ كبير استُشهد في المعركة.
قال له حبيب بن مظاهر: «عزّ عليّ مصرعك يا مسلم!»
(بحار الأنوار، ج44، ص390)
5. جون مولى أبي ذر الغفاري
عبد أسود أصيل، أصر على القتال رغم عرض الإمام عليه النجاة.
قال: «والله إن ريحي لمنتن، وإن حسبي للئيم، أأبقى وأنت تمضي؟ لا والله!»
(مقاتل الطالبيين، ص54)
6. نافع بن هلال الجملي
من حملة رايات التشيع منذ عهد الإمام علي عليه السلام.
كتب اسمه على سهامه وقال: «أنا الجملي، أنا على دين علي.»
(بحار الأنوار، ج44، ص390)
ماذا قال الإمام الحسين عن أصحابه؟
في ليلة عاشوراء قال عليهم:
«فإني لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي.»
(الإرشاد، ج2، ص94)
وبعد استشهادهم رفع يديه بالدعاء:
«اللهم إنّي أُشهدك أنّا قد رضينا عنهم، فارضَ عنهم.»
(بحار الأنوار، ج45، ص8)
منزلتهم بعد الشهادة
عن الإمام زين العابدين عليه السلام:
«أصحاب أبيه قد سبقوا إلى الجنة ولم يلحقهم أحد.»
(بحار الأنوار، ج45)
وكان أصحاب الحسين عليه السلام نماذج للثبات على الحق حتى وإن قلّ الناصر، والقدرة على التحول من الخطأ إلى الصواب كما فعل الحرّ، والإخلاص دون مقابل كما فعل جون، وتقديم القيم العليا على حساب الحياة كما فعل الجميع
«السلام عليكم يا أنصار دين الله، السلام عليكم يا أنصار رسول الله، السلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين...»